بعد تردّد كبير، ارتأيت أنه واجب وطني عليّ أن أنصف الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأروي قصة ما جرى معي.
في أحد الأيام استدعاني الرئيس الشهيد وكلفني بالذهاب الى دمشق، وأن أنقل رسالة الى شقيق الرئيس بشار الأسد العقيد ماهر الأسد… وبالفعل قمت بالمهمة وتوجهت الى دمشق. قابلت العقيد ماهر في منتصف الليل، أي عند الساعة الثانية عشرة ليلاً، ونقلت الرسالة المكلف بها… فأجابني العقيد ماهر قائلاً: إنّ الرئيس بشار عاتب على الرئيس الشهيد رفيق الحريري لأنه يعتبر أن له علاقة بالقرار الدولي رقم 1559، هذا أولاً… وكذلك هو متهم بالإساءة الى العلاقات السورية – الفرنسية.
عدت الى بيروت وتوجهت مباشرة للقاء الرئيس الشهيد، ورويت له ما جرى معي. فأجابني بشكل فوري قائلاً:
بالنسبة للقرار 1559، لم أتعاطَ بهذا القرار، إلاّ بعد صدوره، وسوف أقول لك ما جرى معي… حيث كنت على متن يختي في سردينيا وكان كوعي مكسوراً، جاءت المستشارة أمل المدلّل وطلبت مقابلتي… فأيقظوني من النوم.. وقالت لي إنها جاءت خصيصاً من نيويورك، وأنها على علم بأنّ مجلس الأمن سوف يصدر قراراً رقمه 1559، وهذا سيكون محرجاً للبنان.
فور سماعي ما قالته السيدة أمل المدلّل، ركبت طائرتي وتوجهت الى دمشق لمقابلة الرئيس بشار الأسد… وفور اللقاء أعلمته بأنني حصلت على معلومات مفادها أن هناك قراراً سوف يصدر في مجلس الأمن… فكان جوابه الفوري: يلي طلّع الحمار على «الميدني ينزلو»… هذا يعني أنه يتهمني بذلك… انتهت المقابلة وعدت الى باريس حيث التقيت مباشرة بالرئيس الفرنسي جاك شيراك، وطلبت منه أن يتدخل ويطلب من الأميركيين أن لا يضعوا القرار 1559 تحت البند السابع.
وبالفعل، استطاع الرئيس الفرنسي أن يقنع الرئيس الأميركي بذلك.. وهكذا لم يوضع القرار 1559 تحت البند السابع.
وللتاريخ فإنّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري قال لي: إنّ الرئيس بشار الأسد يتهم رفيق الحريري بأنه هو من أرسل الوزير مروان حماده ومعه وزير التربية والثقافة غسان سلامة الى أميركا، وهما لعبا دوراً بالتحضير للقرار.
بينما الحقيقة أن من حضّر لهذا القرار هو الجنرال ميشال عون الذي ألقى كلمة في الكونغرس، أما هو وجماعته فهم الذين ذهبوا الى الأمم المتحدة، حيث ألقى الجنرال عون خطاباً حرّض فيه ضد «الحزب» وضد سوريا، هذا أولاً…
ثانياً: عند التمديد للرئيس إميل لحود كان الرئيس الأميركي بزيارة الى فرنسا، إذ حضر العرض العسكري الذي يقام سنوياً بمناسبة الحرب العالمية الثانية… والمعلومات تفيد أن قرار محاسبة لبنان وسوريا للتمديد للرئيس إميل لحود والعبث بالدستور، كان السبب في إصدار القرار 1559.
وقبل العودة الى القرار، لا بدّ من أن نتوقف عند البند السابع الذي ينص على استعمال القوة لتنفيذ القرار.
على كل حال، بعد صدور القرار وطبعاً من دون البند السابع ماذا جرى؟
عند صدور القرار 1559 في 2 أيلول 2004 صرّح وزير خارجية سوريا ان هذا القرار غير مهم… وهناك الآلاف من القرارات التي تصدر عن الأمم المتحدة ولا تنفذها إسرائيل… لذلك نحن لا يهمنا هذا القرار.
وقبل نهاية سنة 2004 صرّح وزير خارجية سوريا مجدداً، ان سوريا دخلت الى لبنان بطلب من الحكومة اللبنانية وإنها مستعدة للخروج عندما تطلب الحكومة اللبنانية منها ذلك.
اغتيل شهيد لبنان في 14 شباط عام 2005… وصدر بعدها قرار في الأمم المتحدة ينذر سوريا بالانسحاب قبل 2005/5/31. وبالفعل، انسحب الجيش السوري من لبنان، وأعلن الرئيس بشار الأسد ذلك من مجلس الشعب قائلاً: انسحبنا من لبنان تنفيذاً لقرار الأمم المتحدة قبل يومين من المدّة المحددة.
كلمة أخيرة، وبما أننا تحدثنا عن الـ1559، واليوم أمام لبنان فرصة تاريخية لتوقيع اتفاق ينهي هذه الحروب، أريد أن أوجه رسالة للجميع:
أولاً: أتمنى أن لا يزايد أحد على وطنية وذكاء ومحبة الرئيس نبيه بري للوطن.
ثانياً: لا أظن أنه يوجد في لبنان إنسان يحب لبنان أكثر من الرئيس بري.
ثالثاً: ليس مهماً التفاصيل بل المهم أن يحصل الاتفاق، لأنّ العدو الإسرائيلي لا يريد لكنه مجبر على الاتفاق، لأنّ الرأي العام العالمي يريد وقف هذه الحرب، وهذه المذابح التي يرتكبها العدو الصهيوني.