سبحان الله كيف يمر الزمن، وكيف مرّت سبعة عشر عاماً على اغتيال شهيد الوطن دولة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، في أكبر جريمة تفجير حدثت في العالم، فشدة الانفجار يمكن أن يكون الثالث من حيث القوة بعد هيروشيما أولاً ومرفأ بيروت في صيف 2020 ثانياً.
صحيح أنهم قتلوه، لأنهم يخافون منه خاصة، أنه لو بقي حياً لما شاهدنا هذا الانهيار في الحكم بدءاً من الرئاسة الى الوزارات الى الوزراء الى بعض النواب، والأهم هو هذا الانهيار المالي الذي لم يحدث مثيلاً له في أي بلد من بلاد العالم ولا في التاريخ كله.
لبنان كان «قجّة» العالم العربي لأنّ النظام الديموقراطي الحر، هو الضمانة للنظام المالي وهو الذي أعطى هذا المركز المالي المتميّز.. وعلى سبيل المثال وكما هو معروف فإنّ معظم الدول العربية كانت أنظمتها غير ديموقراطية، لذلك فإنّ عدداً كبيراً من رجال السياسة ورجال المال كانوا يهرّبون أموالهم الى بيروت حيث السرّية المصرفية. كذلك وكما يقول التاريخ إنّ لبنان كان البلد الأكثر استفادة من مأساة فلسطين، حيث كان المال قبل المأساة في فلسطين والشركات البحرية والوكالات البحرية كانت في حيفا. هذا كله انتقل الى لبنان، كذلك بعد التأميم في مصر حيث هرب بعض رؤساء الأموال الى لبنان ثم سوريا ثم العراق. كل هذا بفضل النظام الديموقراطي الحرّ وأصبح لبنان «سويسرا الشرق» على الصعيد المالي حيث البنوك والسرية المصرفية وحيث جمال الطبيعة والطقس المعتدل.
عندما عاد الحريري بعد «اتفاق الطائف» استطاع خلال 5 سنوات في الحكم من عام 1993 الى 1998 ومعه المرحوم الرئيس الياس الهراوي إعادة بناء ما هدّمته الحرب «الالهية»، من المطار الى القصر الجمهوري الى المدينة الرياضية الى قصر رئاسة الحكومة الى الجسور ومنها جسر حمانا، إلى الكهرباء 24/24 حيث تمت إضافة معمل الزهراني لتصبح القدرة بين 800- 1000 كيلوواط، وكذلك فعل في دير عمار، الى بناء محطة في صور 180 كيلوواط، الى بعلبك 180 كيلوواط، كلها تعمل على الفيول والغاز لأنه كان يحضّر للانتقال الى الغاز لتوفير 50٪ من فاتورة المحروقات.
باختصار، لقد أعاد الرئيس الشهيد لبنان الى الخارطة العالمية، وللأسف عندما جاء الرئيس اميل لحود الذي هو نسخة مطابقة للجنرال ميشال عون بدأت رحلة العذاب والتعقيد والمماحكة والجدل العقيم خاصة وأنّ فخامته يريد -وللأسف الشديد- أن يبرهن للشعب أنه خبير اقتصادي ومالي وسياسي، وأنه كما يدّعي الجنرال عون اليوم في أحد خطاباته: «بكرا بفرجيكم شو لح تشوفوا كيف استلمت وكيف لح سلّم».
طبعاً فخامته صادق في ما يقول… باختصار لن يبقى شيء في الدولة لنترحم عليه وعلى البلد.
كلمة أخيرة في هذه المناسبة أتوجه بها الى الغالي ابن الشهيد الرئيس سعد الحريري، غير مكترث بالقرار الذي أخذه، لأنني أقدّر ظروفه، ولكني أقول له إنّ ما جرى في ساحة ضريح رفيق الحريري لم يكن أحد يتوقعه بعد 17 سنة، وبعد عدم دعوة أحد وعدم إقامة مهرجان في المناسبة كما جرت العادة.. فقد تبيّـن أنّ الجمهور كان أكثر عدداً، وأنّ هذا الازدحام فاق التصوّر.
أخيراً أقول: «صحيح انهم قتلوك يا رئيسنا الشهيد ولكن لا تمر ثانية ولا يوم إلاّ وأنت في البال رحمك الله».