IMLebanon

رفيق الحريري.. دولة في رجل

أحد عشر عاماً ولبنان يعيش أزمات متواصلة من تجاذبات سياسية واضطرابات أمنية وخطابات طائفية ومذهبية وخدمات متلاشية وحركة اقتصادية بطيئة وبطالة متفشية وانتخابات رئاسية معطلة وخروج عن العروبة ورفض دعم دولة عربية كبرى لها صفحات ناصعة في حب لبنان والوقوف إلى جانبه ودعم اقتصاده واستضافة أبنائه.

أحد عشر عاماً والمنطقة العربية ترقد على فوهة بركان تعبث بأمنها تدخلات خارجية واحتلالات عسكرية وتنظيمات إرهابية. وسلاح المقاومة تحول من تحرير الأرض إلى خطف الوطن والهيمنة على قراره وتهديد أبنائه وغزو عاصمته واغتيال نخبة قياداته الوطنية والأمنية والإعلامية، ومشاركة نظام مجرم في قتل شعبه وتدمير بلده.

أحد عشر عاماً والأمن مهتز والاستقرار مفقود والإدارة مرتشية وفاسدة والاقتصاد متراجع والمعيشة غالية والجيوب فارغة، والاستثمارات متوقفة والبطالة مستفحلة والهجرة متزايدة والشباب الجامعي وأصحاب الكفايات يصطفون على أبواب السفارات يستجدون تأشيرات هروب من بلد كانوا يسمونه سويسرا الشرق.

أحد عشر عاماً والمحكمة الدولية ما زالت تنظر في القضية. وهل هناك قضية أكبر وأهم من اغتيال وطن وحلم أجيال. والقاتل معروف لدى القاصي والداني. والدويلة ترفض تسليم المتهمين إلى المحكمة ولو بعد ثلاثمئة سنة. ووصلت غطرستها إلى المطالبة بإلغاء هذه المحكمة من ضمن شروطها لإعادة الاستقرار السياسي والأمني إلى لبنان والتي هي السبب الرئيس في فقدانه… ويا للوقاحة!

أحد عشر عاماً على استشهاد صاحب مشروع وطني متطور مرتكز على تحرير الوطن من الهيمنة الخارجية، وترسيخ الوحدة الوطنية، وتعزيز الاعتدال السياسي، وتنمية المناطق المحرومة، وترميم البنى التحتية، وإقامة مؤسّسات تعليمية وصحية وشبكات مواصلات واتصالات، وتكبير الاقتصاد الوطني، وإقامة دولة سيدة نفسها عمادها مؤسّسات نزيهة وفاعلة وجيش قوي وقضاء مستقل. دولة تقوم على النزاهة والعدالة والكفاية والاختصاص، يحكمها شعبها وليس ولي فقيه يعبث بعروبتها وبسيادتها ووحدة مكونات مجتمعها.

أحد عشر عاماً على استشهاد الرمز الوطني الكبير ورجل المهمات الصعبة والإنجازات الكبيرة، وصاحب الامتدادات المتشعبة والعلاقات المتعددة في الوطن العربي والدول الأجنبية لما كان يملك من قدرة فائقة في نسج علاقات ودية مع قيادات هذه الدول وخصوصية فريدة في التأثير على خياراتها. 

أحد عشر عاماً مضت وما زال رفيق الحريري حبيب بيروت وشهيد لبنان مالئ الدنيا وشاغل الناس، وما زالت ذكراه خالدة في وجداننا ووجدان أحرار لبنان وستبقى.

ونحن في بيروت سنبقى نفتقد وجوده بيننا وحواراته معنا وإرشاداته لنا. وما يزيد في لوعتنا غياب حامل مشعله الرئيس سعد الحريري عن العاصمة التي روى الرئيس الشهيد أرضها الطيبة بدمائه الطاهرة، الذي نناشده بالعودة إلى عرينه بيروت وإلى بيت الوسط، بيت العزة والكرامة، فنحن في أمس الحاجة إلى قيادته الحكيمة في هذه المرحلة القاسية التي يتهدد فيها مصير لبنان ووحدة أرضه وشعبه.

لقد اغتالوا الرئيس الشهيد رفيق الحريري في وقت كانت المنطقة تغلي بأزمات لبنانية وإقليمية شائكة ومتشابكة، ففي لبنان كان الصراع السياسي على أشده، لامس المسّ ببنية النظام، بين قوى سيادية أرادت التخلص من هيمنة سلطة الوصاية السورية على القرار الوطني وعلى مؤسّسات الدولة، وقوى حليفة لهذه السلطة المستبدة وشريكتها في تقاسم المكاسب والمغانم، لم تتورع عن بث سمومها ونفث أحقادها ضد الرئيس الشهيد وتوجيه أقذع النعوت والاتهامات إليه. وفي المنطقة العربية كانت الأجواء تنذر بانقسامات طائفية ومذهبية حادة تهدد وحدة كيانات عدة، وتخطيط دولي يوحي بالتفتيت والتقسيم.

وأنهي كلمتي بالسؤال الذي ما زال يلازم كثيرين: هل اغتيل رفيق الحريري لأهداف لبنانية بحتة أم لأهداف خارجية نتيجة حجمه السياسي الذي تخطى الحدود الداخلية والعربية وبات يشكل خطراً على مشاريع اللاعبين الإقليميين والدوليين في المنطقة؟ والجواب البديهي لكل متابع لأحداث المنطقة منذ الاغتيال إلى اليوم يشير إلى كل هذه الأهداف مجتمعة، وبدرجة أكبر إلى الأهداف الخارجية. 

وكلمة أخيرة نابعة من قلب ملتاع ونفس مجروحة.. اشتقنالك يا دولة الرئيس.

() رئيس اتحاد العائلات البيروتية