أحد عشر عاماً قيل خلالها الكثير في مآثر الشهيد ممن عرفوه وعاصروه وواكبوه في السراء والضراء. لستُ أحدهم، لكنّ رفيق الحريري كما «لم» أعرفه هو الحاضر بيننا اليوم.. واليوم أكثر، شهيداً حياً بفائض الاعتدال الذي خلفّه وراءه ولا زلنا نغرف منه اليوم.. واليوم أكثر، بثقافة العلم والسلم التي كرّسها ولا تزال عصيّة على الانكسار أمام «تسونامي» الجهل والتطرف الجارف اليوم.. واليوم أكثر، بلبنان المتمسك بثلاثية الجيش والشعب والعيش المشترك، بلبنان الرافض لكل صيغ التقوقع والتموضع تحت رايات الاقتتال الميليشيوي والطوائفي والمذهبي المستفحلة في المنطقة اليوم.. واليوم أكثر.
فرفيق الحريري كما «لم» أعرفه..
هو خزان الاعتدال الذي لم ينضب ولولا الوفرة في مخزونه لما كان لبنان استطاع اليوم النجاة بأبنائه من أتون الإرهاب وجنون التطرف المتدفق من المحيط إلى المحيط.
هو المناعة التي خلّفها في مجتمعه ولم ترحل برحيله بل تفاعلت وترسخت أكثر فأكثر لتغلّب عصب الاعتدال على كل أشكال العصبية الآخذة بالتفشي في النفوس والعقول.
هو الأجيال المتناسلة علماً وثقافةً من رحم جيل المتعلمين الذين نقلهم من ظلمة الحروب إلى رحاب الفكر والتفكّر بالمستقبل.
هو مفهوم «وقف العدّ» وثقافة العيش الإسلامي المسيحي المشترك، في زمن القسمة والطرح والضرب بين الطوائف والمذاهب.
هو بيروت التي أرادها منزوعة الطائفية والمذهبية، البيئة الحاضنة للعيش الاقتصادي الواحد بين مختلف أبناء الوطن.
هو الداعم الأزلي للجيش وقوى الشرعية، العدو الأبدي لكل منظومات التطرف الميليشيوية والإرهابية.
هو ذلك الصوت الحازم في أحد إفطارات رمضان رفضاً للخروج على الدولة إبان أحداث الضنية.
هو أول زعيم عربي وإسلامي يستنكر إرهاب 11 أيلول بعد دقائق على العملية الانغماسية الانتحارية في برجي نيويورك.. ولسان اعتداله يقول لكل ساذج مهلّل للفتح «الإسلامي» المبين في العمق الأميركي: إذا رأيتَ نُيوب التطرّف بارزةً فلا تظنّن أن التطرّف يبتسمُ.
هو شبكة العلاقات الدولية التي نصبها فوق سماء الوطن، ولا يزال لبنان يتظلّل بفيئها حتى يومنا هذا بعدما كان قبله في عزلة دولية وعربية مطبقة لم تنجلِ إلا بمعيّته ولم تنقشع إلا بمظلة الأمان التي حاكها بهامته الوطنية وبهمّته الاستثنائية في تمتين أواصر الصداقة والتعاون مع علية القوم من قادة العالم.
14 شباط.. شهادة حياة لا يموت لها نبض ولا ينضب لها عطاء.