IMLebanon

رفيق الحريري الثورة الهادئة ()

لست أدري إن كان تفاؤله الأسطوري أم الثقة بالذات أم التطمينات الدولية هي التي دفعت رفيق الحريري إلى الاعتقاد الحاسم أن عهد إميل لحود لن يتجدد على الرغم من كل الإشارات التي كان نظام بشار الأسد يرسلها له مباشرة أو بالواسطة. 

لا أظن أن مسألة احتلال العراق كانت الأساس في إصرار بشار الأسد على بقاء إميل لحود في مكانه، لكن عداوة لحود للحريري كانت أساس إبقائه على الرغم من التحذيرات الدولية من مغبات التجديد له. 

القرار 1559 كان مفصلياً في تغيير قواعد اللعبة اللبنانية والإقليمية، وهو أقرب ما يمكن أن يكون إلى بنود اتفاق الطائف ولكن بصيغة دولية، ولو كنت مكان رفيق الحريري لسعيت إلى صياغته وإصداره حتى ولو اتهمت بخيانة النظام السوري. 

ابتلع رفيق الحريري التمديد للحود على أمل تغيير قواعد اللعبة وعودته بحرية أوسع إلى السلطة لاستكمال ما بدأه سنة ، لكن الواضح هو أن منظومة النظام السوري كانت تريد إحراجه وإخضاعه بالكامل. 

خرج رفيق الحريري في أيلول من الحكم بوداعه الشهير، وكانت رسالة التهديد المباشرة له محاولة اغتيال مروان حمادة. تلقفها الرئيس الشهيد وقرر رغم ذلك الذهاب بالمواجهة إلى مرحلة جديدة، فكانت المبادرة نحو المعارضة التي كانت معالمها تتوضح ابتداءً من سنة وكانت محصورة بمواقف الكنيسة المارونية والقوى المؤيدة لها. خطورة الإنفتاح تلك كانت لكونها تجعل معارضة الهيمنة الكاملة للنظام السوري مسألة عابرة للطوائف بعد أن كانت محاصرة بالتهديدات البلطجية لحملة السواطير من أتباع مخابرات الأسد وأدواته تحت شعارات طائفية إسلامية سنية بمجملها من أمثال خلية حمد وجمعية المشاريع.

قد تكون هذه القضية بالذات هي التي دفعت بشار الأسد إلى السير بقرار الإغتيال، لكن هذا القرار كان متخذاً منذ سنوات في منظومة ولاية الفقيه.

ليس جديداً أو استثنائياً على الجزء المخابراتي من هذه المنظومة أن تأخذ القرار السهل باغتيال شخص ما إن وقف عائقاً في سبيل مشروع ولاية الفقيه. بمراجعة بسيطة وموجزة يمكن التذكير باغتيال القادة الشيوعيين وتفجيرات المارينز والقوات الفرنسية والسفارات وخطف الطائرات وغيرها من المآثر الإرهابية لهذه المنظومة. 

اغتيال رفيق الحريري إن كان متخذاً في هذه المنظومة، وكما هو منطقي بفتوى شرعية، فقد كان التنفيذ ينتظر الفرصة لاستدراج بشار الأسد للمشاركة في الجريمة لأسباب متعددة تتعلق بإخفاء الآثار وتجاوز التداعيات، وربما لإحراج نظام الأسد ووضعه بالكامل بعد ذلك الحدث تحت رحمة منظومة ولاية الفقيه بدل كونه شريكاً مضارباً.

على الرغم من الحملة السفيهة التي شارك بها عدد كبير من أتباع نظام الأسد للتهجم على رفيق الحريري قبيل يوم شباط، لكنها لم تكن تعني أن هؤلاء كانوا مشاركين أو عالمين بالمخطط، ولكنهم كانوا يعلمون بالجو العدائي في أوساطهم ضد رفيق الحريري، وكانوا مقتنعين بالتأكيد بأن منظومتهم هي من اغتالته. لذلك، وعلى الأرجح من دون توجيهات من قيادتهم، حاولوا تغطية معالم الجريمة بمختلف الطرق، وأظن أن بعض ما قاموا به أدى على كل الأحوال إلى زيادة الشكوك بتلك المنظومة. 

في تلك الفترة، كانت منظومة ولاية الفقيه في لبنان تراقب المتغيرات وتعد العدة للمرحلة القادمة. صحيح أن تظاهرة آذار كانت بقيادة «حزب الله« لشكر سوريا بشار الأسد، لكن قرار الإنسحاب السوري كان متخذاً، ولو نظرنا إلى نتائج عملية اغتيال رفيق الحريري الأولية لكان واضحاً أن نظام بشار الأسد دفع الثمن الأكبر بخروجه من لبنان، بينما ربحت منظومة ولاية الفقيه الساحة اللبنانية من دون شراكة مضاربة ومن دون الحاجة إلى تسويات مع المنظومة السورية التي تحولت بعد خروج الجيش السوري إلى مجرد تابع لقيادة «حزب الله« محلياً، وبالتالي أداة في مشروع ولاية الفقيه. 

لن ندخل في شرح قد يطول في ما حصل على مدى السنوات العشر التي تلت اغتيال رفيق الحريري والكم الهائل من الفوضى الحاصلة كنتيجة مباشرة لعبث المنظومة التابعة لطهران في شؤون الدول والمجتمعات الإقليمية، وما ظهور التطرف السني اليوم إلا أحد أشكال هذه الفوضى. 

إن ذكرى رفيق الحريري اليوم يجب أن تدفعنا إلى الإلتزام بالمواجهة مع هذا المشروع حتى هزيمته وبالتالي إعادة تحقيق الحلم الذي قتل رفيق الحريري وإنقاذ أبنائنا من أن يتحولوا إلى مشاريع شهداء فداءً لخليفة مزعوم شيعياً كان أم سنياً. 

() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»