«فيمَ الإقامة في الزوراء لا سكني بها ولا ناقتي فيها ولا جملي ناء عن الأهل صفر الكف منفرد كالسيف عري متناه من الخلل» (لامية العجم للطغرائي)
مسألة عرقلة مشاريع الإنقاذ المالي والإقتصادي قضية معروفة بعد سنة ، وكانت تتلخص بالكيدية والسلبية من قبل المنظومة الأمنية السورية – اللبنانية.
كان إميل لحود خائفاً من أي نجاح يسجل في خانة رفيق الحريري حتى لو كان يصب في المصلحة الوطنية العليا. لقد اعتبر رئيس الجمهورية المعين من قبل النظام السوري أن رفيق الحريري عدوه الشخصي، وليس خافياً أن الود كان مفقوداً بين الرجلين لأسباب شتى.
الود كان مفقوداً في الوقت ذاته بين رفيق الحريري وبشار الأسد على المستوى الشخصي أولاً، ولكن يضاف إلى ذلك قناعة أركان نظام الأسد بأن نجاح الحريري المحلي والدولي سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى تراخي القبضة السورية على لبنان، وبالتالي تطبيق اتفاق الطائف وما يتضمنه من انسحابات للقوات السورية.
لم يتمكن النظام السوري الذي تحول مع بشار الأسد إلى نظام فساد بالكامل مع انفتاح شكلي في الإقتصاد وفي بعض المسائل الهامشية العامة مع استمرار سلطة المخابرات المطلقة، من تفهم فكرة الشراكة المصلحية مع لبنان التي حاول رفيق الحريري تسويقها مع حافظ الأسد قبل ابنه، وحتى قبل الوصول إلى اتفاق الطائف.
في تلك الفترة أيضاً انعقدت قمة بيروت العربية وطرحت مبادرة السلام المستندة إلى مرجعية قرارات مجلس الأمن ومؤتمر مدريد للسلام بخصوص الصراع العربي – الإسرائيلي. لقد شكلت هذه المبادرة إحراجاً مزدوجاً، فمن جهة رفضتها إسرائيل على أساس أن الطرح تجاوزته المتغيرات الدولية والإقليمية بالنسبة إليها، ومن جهة أخرى اعتبرت المبادرة تجاوزاً للمعسكر الذي ترأسه إيران، والذي يعتمد على استمرار الصراع مع إسرائيل لاستكمال حلم إنشاء امبراطورية ولاية الفقيه.
كل ذلك مع أن بشار الأسد وقع على المبادرة على الرغم من حلفه مع إيران، لكن التشنج بدا واضحاً من خلال بلبلة قيام ياسر عرفات بالتحدث إلى المؤتمر من رام الله، وما رافق ذلك من رفض لإميل لحود وبشار الأسد، وإصرار الرئيس الحريري على إعطاء الفرصة للرئيس الفلسطيني لإيصال كلمته.
كل تلك الأمور عادت وصارت في مكان آخر بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية سنة ، والتغييرات الهائلة في موازين القوى بعد أن فتحت أبواب المنطقة بشكل كامل لنفوذ إيران وبدء الحديث الواقعي عن إنشاء الهلال الشيعي.
هنا عاد نشاط الرئيس الحريري الدولي لإقناع مواقع القرار الدولي بخطورة التغاضي عن هذا المشروع لأنه سيدخل المنطقة والعالم في صراع جديد غير محسوب العواقب، وسيضع مليار مسلم سني في مواجهة مباشرة مع المشروع وداعميه الغربيين، يعني أن السنة العرب بالذات سينظرون إلى ما يحدث على أساس أنه «مؤامرة شيعية صليبية ضد السنة».
هذا كله يعني أن رفيق الحريري أصبح هدفاً لثلاثة مشاريع متشابكة.
– كان هدفاً واضحاً من قبل أتباع نظام الأسد في لبنان لما يشكله من خطورة على مشروع استخراج المرابح في السلطة والمال من لبنان.
– كان هدفاً لنظام الأسد لما يشكله من خطورة على تأبيد مشروع السيطرة على لبنان، ولوجود رفيق الحريري في معسكر عربي ودولي مختلف عما يريد النظام السوري أن يراه في رئيس حكومة للبنان.
– كان هدفاً لمنظومة ولاية الفقيه لضرب دور الحريري اللبناني ودوره العربي ودوره الإسلامي ودوره الدولي، وكلها كانت تعتبر إعاقة لمشروع مد سلطة الولي الفقيه على أوسع مساحة من الأراضي الإسلامية.
قاوم رفيق الحريري على مدى ثلاث سنوات محاولات خنقه سياسياً، وكان يأمل بأن نهاية عهد إميل لحود ستغير وضع أحد محاور العداء له وهو موقع رئاسة الجمهورية عندما يأتي رجل أقل حقداً إلى هذا الموقع. في أوائل العام ، وفي لقاءات متفرقة سألته عن أسباب قبوله بأن يحاصر في حكومة لا يملك فيها القرار وفي الوقت نفسه يتحمل تبعات الفشل؟ أجاب بأن فترة إميل لحود أصبحت في نهايتها، ولا يمكن أن يأتي رئيس مثله، وبالتالي فمن الممكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى ذاك اليوم، لهذا فقد بقي يتحمل الأذى اليومي الشخصي الذي كان يلحق به.
وعندما سألته عن احتمال التمديد أجاب قاطعاً بعدم الإمكانية، وعندما سألته عن احتمال اختيار شخصية تشبه إميل لحود لرئاسة الجمهورية أجاب بأنه لا يوجد إنسان يشبه إميل لحود. ختم رفيق الحريري بقوله «هذا البلد لنا ونحن مؤتمنون على ما قمنا به من إنجازات وعلى المستقبل لأبنائنا، لن أهرب من هذه المسؤولية مهما كانت التضحيات ولن أترك البلد لمجموعة من الحمقى المفسدين». البقية آتية.
() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»
[ تصحيح لما ورد في مقالة نهار الأحد 22-2-2015 تحت عنوان رفيق الحريري الثورة الهادئة (3)، فقد ورد أن حصار الرئيس الحريري بدأ سنة 2006 وأنتج سنة 2008 والصحيح هو أن حصار الرئيس بدأ سنة 1996 وأنتج سنة 1998 فعذراً للخطأ.