الرئيس الشهيد .. لكل عقار حكاية
أثار نجاح حملة «اللواء» ضد الصفقة العقارية في الرملة البيضاء، حفيظة بعض المتضررين، من الوسطاء وخصوم الحريرية على السواء، فعمدوا إلى استعادة الأسطوانة القديمة، حول تجارة مزعومة للرئيس الشهيد رفيق الحريري في القطاع العقاري، «مستغلاً» نفوذه - كذا - لشراء عقارات مهمة، وذات مساحات كبيرة في بيروت، مما أدى إلى مضاعفة ثروته..!!!
باني بيروت الحديثة أصبح في دنيا الحق، ولا يحتاج إلى واسطة أحد منا في وقوفه أمام العليّ العظيم.
ولكن الغياب المفجع لرفيق الحريري، لا يبرّر لخصومه المزمنين، وأصحاب الأحقاد الدائمة، تزوير الحقائق، وفبركة الأكاذيب، لتشويه إنجازات الشهيد الكبير، والنيل من مكانته وسمعته، التي تبقى أنصع من أن يُلطخها متضرّر هنا، أو حاقد هناك، وكأن الرجل كان همّه تجارة العقارات!
لا يا سادة.. لم يكن رفيق الحريري تاجر عقارات!
هذه بعض الوقائع:
ليس خافياً على أحدّ أن رفيق الحريري، ومنذ أولى خطواته على دروب النجاح والثروة، كان يشدّه إلى لبنان حنين استثنائي، رغم أن بلده لم يوفّر له الفرصة اللازمة لمستقبل واعد.
وبدأ باكراً، ومنذ أواخر السبعينات، التفكير بإنشاء المؤسسات التربوية والصحية والاجتماعية التي تخدم أهل بلده، الغارق في ظلمات الحروب العبثية، التي أسقطت الدولة ومؤسساتها في غيبوبة طويلة، وتركت الوطن أسير شريعة الغاب، تتناتش ثرواته وإداراته الميليشيات المتصارعة!
لم تكن ثروة ابن صيدا البار، قد تخطت المائة مليون دولار أميركي، عندما بدأ التفكير بكلية طب ومستشفى جامعي، ولم يتردد برصد خمسين مليون دولار بعد فترة لمشروع كفرفالوس، في مرحلة بلغت فيها ثروته ثلاثمائة مليون دولار، كما يقول المحيطون به في تلك الفترة.
وفيما كان خصومه الحاقدون يرددون معزوفة «أسلمة الأرض»، سألته: لماذا ذهبت إلى كفرفالوس، في ذروة الحرب الطائفية؟
فأجاب بعفويته المعهودة: أردت أن تكون جامعة لكل الأطياف الطائفية والمذهبية، ولأقول لمن يعنيهم الأمر أن الحرب لم تفرقنا!
صرف الحريري على مشروع كفرفالوس عشرات الملايين من الدولارات، وجاء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وتداعياته المحلية ليحوّل هذا الصرح العلمي الكبير إلى مبان منهوبة ومحروقة، ومخلعة الأبواب والنوافذ، لا تصلح حتى حظيرة للحيوانات!
تلك حكاية عقار كفرفالوس باختصار!
ولكن.. كيف ولماذا اشترى أهم وأكبر العقارات في بيروت؟
الواقع أن لكل عقار قصة، لا بدّ أن تُروى، قطعاً لألسنة السوء، وحتى يكون اللبنانيون على بيّنة من حقيقة الإشاعات التي تحاول النيل من مكانة شهيد السيادة والاستقلال.
لسنا بوارد الخوض بتفاصيل شراء كل عقار، وسنكتفي بالوقوف أمام العلامات المميزة في محفظة الحريري العقارية.
أولاً: عقارات الرملة البيضاء: عندما تعرض بنك البحر المتوسط لأزمة سيولة خانقة، لجأ صاحبه ورئيس مجلس إدارته رجل الأعمال الراحل جوزيف عبده الخوري إلى صديقه النجم الصاعد في دنيا المال والأعمال رفيق الحريري، طالباً إنقاذه بشراء المصرف، بما له وما عليه، لأنه، أي خوري، قرر مغادرة فرنسا نهائياً، حيث أقام منذ بداية الحرب عام 1975، والإقامة نهائياً في إسبانيا.
لم يتأخر الحريري عن شراء المصرف الذي حصل منه على أول كفالة بنكية لالتزاماته في السعودية، حيث فرع المصرف الباريسي محوراً لكثير من رجال الأعمال اللبنانيين. كانت للبنك المتوسط شركة شقيقة «عقارية البحر المتوسط» تتملك من البنك العقارات التي يُقصّر أصحابها بالوفاء بديونهم للمصرف. هذه الشركة كانت من ضمن موجوداتها العقارات ذات الأرقام: 2233، 4026، 4027، 4285 المصيطبة، أي عقارات الرملة البيضاء، بما فيها المسبح الشعبي.
من خلال «عقارية البحر المتوسط» أيضاً، تمّ شراء العقار رقم 2233 المصيطبة (حوالى 28 ألف م.م) من رجل الأعمال طه ميقاتي وشقيقه نجيب، بعدما تعثرت أعمالهم في المقاولات في دول خليجية، وإيفاء لديونهم لبنك المتوسط.. وهذا العقار مجاور لأرض «الأيدن روك».
أما العقار رقم 2369 المصيطبة، فقد تمّ شراؤه من أصحابه: اسكندر سارة، سعيد الدبس، والياس سابا بوكالته عن النائب السابق موريس حبيب فاضل، عام 1996، وتم وضعه مع بقية العقارات بتصرف لجنة مهرجانات بيروت باشراف النائب السابق سليم دياب، والتي أقامت عدّة مهرجانات شعبية وفولكلورية في شارع الرملة البيضاء والشاطئ المحاذي لها، في أواسط التسعينات.
ثانياً: قصر قريطم: كان أبناء رجل الأعمال الراحل نجيب صالحة مدينين لبنك المتوسط بمبالغ كبيرة، مقابل رهونات طالت «قصر صالحة» في قريطم، وأسهم في شركة فينيسيا التي تملك الفندق المعروف باسمها: فينيسيا انتركونتيننتال.
وإزاء عجز أبناء صالحة عن سداد ديونهم للبنك، تمّ إبرام تسوية تقضي بشراء الحريري لقصر صالحة وحصة من أسهم الفينيسيا في إطار سداد ديون بنك المتوسط.
وكان أن تحول قصر صالحة إلى مقر لإقامة الحريري عندما يزور بيروت وذلك بعد ورشة تأهيل استغرقت فترة من الوقت.
ثالثاً: الليسيه عبدالقادر، والإنجيلية: في ذروة حربي «التحرير» و«الإلغاء» أواخر الثمانينات اشتدت الأزمة على مدارس بيروت الغربية، لدرجة أن عدّة مؤسسات اضطرت أن تعرض بعض مبانيها وعقاراتها للبيع. كانت مدرسة الليسيه في محلة البطريركية تستعد للإقفال بسبب صعوبات مالية متراكمة، عندما علم الحريري بالأمر، طلب من القائمين على مؤسسة الحريري للثقافة والتعليم المبادرة الى شراء المدرسة، والحفاظ على استمراريتها من دون أي تغيير بالبرامج المعتمدة، والاتفاق مع الإدارة على متابعة عملها لفترة زمنية يُصار بعدها إلى تسليم الإدارة إلى مؤسسة الحريري.
كذلك الحال بالنسبة للمدرسة الإنجيلية، التي يقع مبناها تجاه مدرسة الليسيه، حيث تدنى عدد التلاميذ في الإنجيلية، إلى درجة استحال الاستمرار وتحمل المزيد من الخسائر.
أيضاً كان شرط الحريري أن تبقى المدرسة مفتوحة، ويتحمل هو الخسائر، إلى أن يتم تكليف الإدارة الجديدة باستلامها.
بعد فترة عُرضت المدرسة الثالثة في المنطقة «مدرسة القديس مار يوسف الظهور» للبيع، فامتنع الحريري عن التقدم لشرائها، قاطعاً الطريق على أصحاب مزاعم «أسلمة الأرض».
رابعاً: تلة كراكاس: لعلها من أجمل ما تبقى من التلال المشرفة على الساحل البيروتي، بادر الحريري إلى شراء أجزاء منها (هي مجموعة عقارات) استعداداً لتخصيصها لسكنه عندما يأتي إلى بيروت، ولكن بعد تملك قصر صالحة في قريطم صرف النظر عن الموضوع، ولكنه أكمل شراء بقية العقارات في هذه التلة، وصولاً الى بناية صلاح شمّا المجاورة لطريق الروشة. وبعدما أتم ملكيته الكاملة لهذا الموقع المميز، حاول تقديمها لزعيم خليجي كبير لتكون بيروت مقصد إجازاته الخارجية، مثل ماربيا الإسبانية واستراحات المغرب، وذلك بهدف تشجيع كبار المسؤولين ورجال الأعمال الخليجيين على المجيء إلى بيروت، ولكن ظروف البلد الأمنية والسياسية لم تساعده في تحقيق أمنيته!
* * *
باختصار، كان رفيق الحريري يعتبر استثماره في القطاع العقاري دعامة للحركة الاقتصادية، من خلال تشجيع المستثمرين اللبنانيين والخليجيين، على ضخ الأموال اللازمة، والتي تساعد على تكبير حجم الاقتصاد الوطني.
وفي الوقت الذي يمضي نجله الأكبر الشيخ بهاء في تحقيق رؤية والده في دعم اقتصاد البلد من خلال مشاريع عمرانية ضخمة، آخرها المجمع التجاري والسياحي في منطقة فردان، يستمر الشيخ فهد بعرض العقارات بأسعار دون قيمتها الحقيقية، من دون أن يُبادر أحد إلى إنقاذه من مناورات الوسطاء وتجار العقارات، اللاهثين وراء الفرص النادرة!