بقلم ميرفت سيوفي- رفيق الحريري..الدّمُ الثقيل
أكثر من عقد من الزّمن، ثلاثة عشر عاماً، وخلاصة السنوات المريرة الماضية كلّها هي «المحكمة الدوليّة»، التي دونها خاض اللبنانيّون مواجهات حادّة مع فريق واحد هو «الممانعة»، مع حزب الله والنظام السوري وإيران التي اضطرّت للدخول على خطّ المحكمة من أعلى أبوابها في21 كانون الأول من العام 2010 عبر فتوى للمرشد الإيراني علي الخامنئي اعتبر فيها «أن المحكمة شكليّة، ومرفوضة، وأي قرار أو حكم سيصدر عن المحكمة يعتبر باطلاً ولاغياً»؛ هذا من دون الإطلالات المطوّلة والمؤتمرات الصحافيّة المملة لأمين عام حزب الله حسن نصر الله الذي خلص في 28 تشرين الأول 2010 إلى مطالبة اللبنانيين بـ»مقاطعة المحكمة الدولية ولجنة التحقيق تحت توصيف أنّها إسرائيليّة، داعياً يومها «كل مسؤول ومواطن لبناني إلى مقاطعة المحققين الدوليين وعدم التعاون معهم، لأن كل المعلومات تصل إلى إسرائيل»!!
هذا الدمُّ الثقيل الذي أغرق لبنان أريق على مذبح السيطرة الإيرانية على المنطقة ولبنان من بوابة السيطرة على العراق، في هذا الهامش تساءلنا مرّة في 10 تشرين الأول من العام 2012: «ما هو عدد وثائق الاغتيالات التي سنكتشف تورّط حزب الله فيها»، الانهيار لن يكون بعيداً ـ ولا نعرف إن كان أمين عام حزب الله يعرف هذه المعلومة ـ يأتي دفعة واحدة ولا يحتاج لأكثر من بضع دقائق بل أقل من ذلك» وما بناه الحزب في لبنان في أربعين عاماً قد لا يحتاج لأكثر من أربعين دقيقة لينهار دفعة واحدة، في 26 أيلول من العام 2013 كتبنا في هذا الهامش: «هل كانت الصحافة اللبنانية تنتظر صحيفة «نيويوركر»الأميركية وتحقيق الصحافي ديكستر فيلكينز المطول عن قائد «فيلق القدس» في حرس الثورة الإيراني الجنرال قاسم سليماني وإدارته لعملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لينقل الجميع «ما كانوا يعرفونه منذ أعوام ولم يتجرأوا إلى إخراجه أو الإشارة إليه من قريب أو بعيد»!!
دم رفيق الحريري ثقيل جداً، وثقيلة استعادت ذاكرة اغتيال رفيق الحريري، لأنّنا نستعيد معها «مرارات» ذاقها اللبنانيّون وحدهم، قبل أن تندلع الثورات في المنطقة ويضطرب حبل الأمن على امتداد رقعتها، في 10 كانون الثاني من العام 2012، أجاب روبرت بير المسؤول السابق في الاستخبارات الاميركية الـ CIA عن سؤال: «هل انهارت نظريتك عن السيطرة الإيرانية الشيعية على الشرق الأوسط؟»، فقال: «كلياً، انهارت وماتت» مهما بدا اليوم كخداع بصري بأنّها لا تزال قوية وتمسك بتلابيب المنطقة، وهذه النظريّة هي التي دفع رفيق الحريري حياته ثمناً لتمريرها، ودفع لبنان كوكبة من خيرة أبنائه ثمناً لها، ليتمدّد حزب الله ويفرض سيطرته الإيرانيّة على لبنان لتنفيذ هذه الأجندة، ولا يزال علينا الانتظار قليلاً، فالمشروع الذي استغرق بناؤه أربعة عقودٍ من الزمن منذ العام 1979، لا يزال يحتاج بضعة أعوام أخرى ليلفظ أنفاسه الأخيرة…
يوم ارتجّ لبنان والعالم في 14 شباط العام 2005، لم يخطر للبنانيين وهم يختارون طريق التحقيق الدولي والمحكمة الدوليّة، أنّ هذا الطريق سيمتدّ حتى اليوم، وإلى أبعد منه، وأنّهم ووطنهم سيبقون مقيمين على حافّة الهاوية عشر سنوات، ولم يخطر في بالهم أن النهار المظلم الذي خيّم على لبنان مع اغتيال رفيق الحريري، سيمتدّ ظلامه ثلاثة عشرة سنة، ولا أن كلّ الأحداث اللاحقة لهذا الاغتيال ستكون دمويّة وأنهم سيعيشون على حافة الهاوية لعقد من الزمن، ولا نهاية واضحة حتى اليوم لهذا النفق الطويل المظلم، ولا يستطيع أحدٌ منّا أن يُنكر أنّه مرّت علينا أيام محبطة، وأوقات اكتئاب وتشاؤم عام، شارفت أحياناً حدّ اليأس، إلا أنّ ما لا نستطيع أن ننكره هو أنّ اللبنانيين لم يتخلّوا في أيّ يومٍ من هذه الأيام السود عن «الحقيقة» ولا عن «المحكمة الدوليّة»، لا بدّ من أن تسطع العدالة في لحظة ما، عدالة الأرض قبل عدالة السّماء، هؤلاء الإرهابيين الأربعة الذين يحاكمون في لاهاي ليسوا أكثر من أداة تنفيذ، ومن خلفهم «أربعات» كثيرة لن تظلّ مختبئة في ظلّهم، وستأتي لحظة تُعرّي كلّ المرتكبين القتلة الحقيقيين من صغيرهم إلى أكبر كبير فيهم.