إذا كان الشيخ هاشمي رفسنجاني، وهو أحد آخر الآباء التاريخيين لـ«الثورة» الإيرانية يقول ما يقوله عن تدخلات «الحرس الثوري» في سياسة بلاده، فما الذي يمكن أن يقوله يمني أو سوري أو عراقي أو لبناني أو عربي خليجي إزاء التدخّلات النارية والفتنوية التي يرعاها مباشرة ذلك «الحرس»؟!
رفنسجاني وجّه بالأمس ما يمكن أن يُوصف بأنه أخطر تحذير من نوعه إلى «الحرس الثوري» من تداعيات تدخلاته «في الحياة السياسية الإيرانية»، وفي الانتخابات خصوصاً، ما يعني «دخوله في مواجهة مع الشارع الإيراني» على ما ورد حرفياً في كلام رئيس «مجلس تشخيص مصلحة النظام»!
وذلك «تشخيص» ذو بُعد داخلي، لكنه ينزل برداً وسلاماً على كل شأن خارجي تتدخّل فيه إيران في هذه المرحلة «العصيبة». بحيث أن المعني واحد وإن تعدّدت نشاطاته! والمعنى واحد وإن اختلفت الجغرافيا والأهداف والغايات!
«الحرس الثوري» يسعى في بلاده خارج الدستور على ما يقول رفسنجاني. ويدخل في اصطفاف حاد إلى جانب المحافظين في مواجهة الإصلاحيين. ويتمحور في سياق سياسة متنافرة: يتصدى لانفتاح الخارج على الداخل تبعاً لتداعيات التلاقح على قيم «الثورة»، لكنه يبيح لنفسه أن يذهب من الداخل إلى الخارج لتصدير تلك القيم بالشكل الذي يرتأيه.. وذلك لا يعني شيئاً سوى المسّ الخطير (المدمّر في كل حال) بالكيانات والمجتمعات والنظم السياسية والاجتماعية للدول المستهدفة.
واحدة من أخطر التوليفات النظرية المعتمدة لمحاولة تبرير سياسة إيران الخارجية، هي تلك التي درج قادة «الحرس» على تسويقها داخلياً والقائلة (على طريقة «حزب الله» في لبنان) إن القتال في الخارج هو «لحماية الثورة والنظام» في الداخل. وإن «الأمن القومي» يستدعي فلش مروحة الفتن على مساحة تمتد من حدود أفغانستان شرقاً إلى شواطئ المتوسط غرباً، واعتبار القتال في سهول نينوى العراقية وتخوم الشام وحلب السورية وجبال صنعاء وتعز اليمنية، درعاً نارياً هدفه المركزي صون الجدار الإيراني من أذى «الأعداء الكثر»!
صعب استرجاع او استذكار نصّ إيراني واضح، أكان صاحبه إصلاحياً أو محافظاً، يدين أو يستنكر، أو يعترض على تدخلات «الحرس الثوري» في شؤون العرب ودولهم واستقرارهم ومجتمعاتهم! وصعب أكثر الافتراض بأن إصلاحيي إيران لم ينتبهوا للمعادلة الخطيرة القائلة بأن معركة المحافظين ضدهم هي واحدة في الداخل والخارج! وأن الذي يُقتل في حلب أو ضواحي دمشق «دفاعاً عن الثورة» سيرضى بأن يُهزم في طهران أو مشهد من خلال صندوق الانتخابات أو المناورات السياسية وغير السياسية؟!
ولذلك تبدو صرخة رفسنجاني خارجية بقدر ما هي داخلية، مثلما هي تعبير ملتوٍ عن قناعة تأخر الجهر بها(؟) بترابط الأهداف عند قادة «الحرس» وحلفائهم المحافظين: القتال مع الانقلابيين الحوثيين في اليمن والتركيبة الفئوية في العراق والسلطة الأسدية في دمشق و«حزب الله» في لبنان هو الرديف الحتمي للاستمرار في الإمساك بالسلطة في طهران! والتطاول على سيادة الدول المستهدفة هو الرديف الحتمي للتطاول على الدستور الإيراني! والتركيز على تفريخ الميليشيات المذهبية في الخارج هو التتمة المنطقية لـ«تدخّل العسكر في السياسة» على ما اشتكى منه الشيخ رفسنجاني!
تأخّر القول لكنه وصل. وفي ذلك بعض العزاء لكل ضحايا إيران، من العرب والمسلمين!