IMLebanon

رفسنجاني والشيعة و»سب الصحابة» [1/2]

استوقف البعض كلام «رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران» هاشمي رفسنجاني الذي انتقد في سياسة إيرانية أذكت نيران الحرب المذهبية في المنطقة، وأنّ «شتم الصحابة والاحتفال بمقتل الصحابي والخليفة عمر بن الخطاب قاد إلى ظهور تنظيمات إرهابية كـ»القاعدة» و»داعش»، والبعض أطربهم هذا الكلام، من دون التنبّه إلى أنّ رفسنجاني هو «رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام»، وأنّ مصلحة «رفسنجاني» و»النظام» واحدة، وأن «التقيّة» تتيح مظهر التجاذب بين الأفرقاء المعمّمين في إيران، لذا لا داعي للتعويل كثيراً على كلام رفسنجاني، فهو مجرّد «تقيّة» تؤاتي مصالحه السياسيّة، لا أكثر ولا أقلّ، وقد نال رفسنجاني نفسه «نصيبه» من الشتم والسبّ على موقع «شيعة أونلاين» بعد نشر كلامه السابق على موقعه الألكتروني!!

وفي السياق نقول: إن شتم الصحابة وأمهات المؤمنين هي بضاعة الشيعة ولا يملكون بضاعة سواها لتأمين استمراريتهم والحصول على أموال الخمس، لا أكثر ولا أقلّ أيضاً، ولا علاقة هنا لشتم الصحابة وأمهات المؤمنين بظهور تنظيمي «القاعدة» و»داعش»، فهذا تضليلٌ للسُنّة السُذّج، لا أكثر ولا أقلّ أيضاً وأيضاً، ونظرة على تاريخ الشيعة تؤكّد أنّ هذا السبّ والشتم امتدّ طوال قرون من الزمن الإسلامي، وأنّه وإن كان عنوانه العريض الدّفاع عن أهل البيت وحقّهم في الحكم، وهو عنوان «تقويّ» ساقط وكذوب، لأنّ نظرة على تاريخ الشيعة و»دولهم» وفترات حكمهم، تجعل الباحث يُدرك أن الشتم والسبّ جزءٌ من العقيدة وجزء من السياسة، واختلط الاثنان في معين واحد لضرورات السيطرة على جمهورٍ لا تحرّكه إلا «غرائزه الدينية»!!

قبل ألف سنة، أيْ قبل تنظيمي «القاعدة» و»داعش»، كان القرن الرابع الهجري قرناً سياسيّاً شيعيّاً خالصاً؛ مع قيام بنو بويه، وهم من أصول فارسية، بتأسيس دولة في منطقة فارس، إلى أن تمكّنوا من احتلال الخلافة العباسية سنة 334هـ، مع الإبقاء على الخليفة العباسي «السُنّي» في مركزه مجرد «صورة» ليس إلا، ووضعوا الخلافة تحت سيطرتهم أكثر من مئة سنة متصلة (من 334هـ إلى 447هـ) إلى أن أنهى «السلاجقة» السُّنَّة حكمهم، بعدما استنقذوا العراق من السيطرة الشيعية…

في واحدة من الحقبات التاريخية الإسلاميّة السيئة أعلن البويهيون «سبّ الصحابة وكتبوا ذلك على أبواب المساجد، كما شرع الشيعة في بغداد بالتجمع في مسجد براثا سنة 313هـ غربي بغداد (الكرخ) فكانوا ينالون من الصحابة ولا يُصلّون الجمعة ويكاتبون القرامطة ويتبرؤون من الخليفة المقتدر، فوقعت فتنة أولى، وسنة 346هـ حدثت فتنة ثانية بسبب سب الشيعة للصحابة علناً، لكن هذه المرة سالت لأول مرة دماء وقتل عدد كبير من الطرفين، وأصبحت عادة الشيعة سبّ الصحابة وتكفيرهم، فهاجت جماهير أهل السُنّة ضدهم  سنة 347.

 سنة 351هـ أظهر الشيعة البويهيون شعارات لعن معاوية نصاً، ولعنوا بالإشارة «أم المؤمنين عائشة والصدّيق أبو بكر والخليفتين عمر وعثمان» كتابة على المساجد والطرقات فكتبوا: «لعن الله معاوية بن أبي سفيان ولعن من غصب فاطمة رضي الله عنـها فدكاً ومن منع مِن أن يدفن الحسن عند قبر جده عليه السلام ومن نفى أبا ذر الغفاري ومن أخرج العباس من الشورى) على مساجد بغداد، وفي تلك الحقبة المظلمة أي في زمن الدولة البويهيّة  سارت مواكب شيعيّة بالقرب من محلات السُنّة في بغداد وأسمعوا أهلها سبّ الصحابة رضوان الله عليهم لاستفزازهم فغضب أهل السُنّة لشتم صحابة رسول الله صلى عليه وسلّم، ووقع الصدام بين الفريقين.

خلال السنوات التسع الماضية، ومن منتصف ثمانينات القرن الماضي شهدت بيروت ومناطق أخرى، «تظاهرات» مشابهة علت فيها أصوات شتم الصحابة، لأنّ هذا تاريخ متّصل متواصل ومتوارث، ومع هذا فخلال ألف عام لم تنشأ في صفوف أهل السُنّة تنظيمات شبيهة فلا «قاعدة» ولا «داعش»، وهذا ما لم يتنبّه له من قرأ أو سمع كلام رفسنجاني، لأنّ «أهل السُنّة» في الأساس الجوهر ليسوا من جماعات الإرهاب والفساد في الأرض، وللحديث غداً تتمّة.