لا يوجد أدنى شكّ بأنّ علي اكبر هاشمي رفسنجاني، الذي توفي قبل ايّام، كان من اهمّ الشخصيات الايرانية في مرحلتي الاعداد للثورة التي أطاحت الشاه محمد رضا بهلوي في العام 1979 وتلك التي تلت انتصار تلك الثورة بقيادة آيه الله الخميني وقيام «الجمهورية الإسلامية» في ايران.
امتلك رفسنجاني الكثير من البراغماتية التي سمحت له بان يقنع الخميني في العام 1988 بتناول «كأس السمّ» ووقف الحرب مع العراق. استمرّت تلك الحرب، التي استنزفت دول المنطقة ثماني سنوات، وادت الى خسائر كبيرة لحقت بالعراق وايران، لكنها ساهمت في الوقت ذاته في دعم النظام الذي أقامه الخميني ومكنت هذا النظام من استغلال الخطأ القاتل لصدّام حسين عندما غزا
الكويت في العام 1990… وصولا الى وضع اليد الايرانية على العراق بعد الحرب الاميركية التي تعرّض لها في ربيع العام 2003.
تكمن اهمّية رفسنجاني، الذي شغل موقع رئيس الجمهورية بين 1989و 1997 في انه سعى الى اتباع نهج إصلاحي جعله يصطدم بعلي خامنئي، علما انّه كان له دور في وصول الأخير الى موقع «المرشد» الذي يعتبر السلطة العليا في ايران، أي انّه بمثابة المرجعية لكلّ مؤسسات الدولة من زاوية كونه «الوليّ الفقيه» الذي لا مجال لاي جدال او نقاش معه.
تعرّض رفسنجاني في السنوات الأخيرة للاضطهاد، لكنّه بقي حريصا على النظام ولم يشكّك به يوما. بقي على ولائه للنظام الذي سجن ابنته فائزة كما سجن احد أبنائه ويدعى مهدي بتهمة الفساد. في النهاية، حرص النظام على تكريم الرئيس السابق الذي انضمّ الى مجموعة من الإصلاحيين، على رأسهم الرئيس السابق محمد خاتمي ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي. لم تستطع هذه المجموعة تحقيق ايّ انجاز يذكر على صعيد تحسين الاوضاع المعيشية او إيجاد هامش للديموقراطية. صحيح انّها ساعدت في إيصال حسن روحاني الى الرئاسة، لكنّ الصحيح أيضا انّ روحاني لم يلعب دورا يذكر في تغيير السياسة الايرانية على الرغم من انّه كان من داعمي الاتفاق في شأن الملف النووي الايراني والانفتاح على الغرب.
سيكون ضريح رفسنجاني الى جانب ضريح الخميني. يقول الخبثاء ان ذلك سيسمح بمراقبة من يزور الضريح. أي ان رفسنجاني مقلق للنظام في حياته وبعد مماته. اكثر ما يقلق في رفسنجاني امتلاكه شبكة علاقات واسعة سمحت له بان يكون لاعبا أساسيا على الصعيد الإقليمي في اثناء توليه الرئاسة وقبل ذلك، أي في مرحلة لعبه دور اليد اليمنى لآية الله الخميني. وقتذاك، ارتبط اسمه بفضيحة «ايران غيت» والزيارة السرّية التي قام بها اميركيون واسرائيليون إلى طهران في اثناء الحرب مع العراق والتي انتهت بحصول ايران على أسلحة كانت في حاجة اليها. تجاوز رفسنجاني وتجاوزت معه ايران عقدتي «الشيطان الأكبر» و»الشيطان الأصغر» عندما دعت الحاجة الى ذلك.
ما هو لافت في سيرة رفسنجاني انّه لعب دوره في تدعيم النظام في الايّام الصعبة التي مرّ فيها، كما كان قريبا جدا من الخميني الى حين وفاة الأخير. كان له دور في ابعاد حسين منتظري عن موقع «المرشد» خلفا للخميني وكان له دور في حماية النظام القائم وتشكيل جبهة داخلية تطمح الى تطويره.
لا يمكن الّا الاعتراف بهذا الدور الايجابي لرفسنجاني على الرغم من انّه فشل في كلّ خطوة اقدم عليها منذ وفاة الخميني، خصوصا في فترة صعود «الحرس الثوري» الذي ألغى معظم المؤسسات الأخرى للدولة.
يظلّ الفشل الأكبر لرفسنجاني في انّه لم يرفض يوما المشروع التوسّعي الايراني القائم على الاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية. بقي على الرغم من كلّ الظلم الذي تعرّض له ساكتا عما تقوم به ايران عبر الميليشيات المذهبية التي اسستها والتي ذهبت بلدان عربية عدة ضحيّة لها. وقف مع الظلم في كلّ مكان من دون ان ينبس ببنت شفة حيال ما يتعرّض له هذا البلد العربي او ذاك.
هل كان رفسنجاني يدري ماذا يعني الدور الذي تلعبه ميليشيا مذهبية مثل ميليشيا «حزب الله» في لبنان؟ ألم يدر بخلده انّ ضرب الصيغة اللبنانية والمجتمع اللبناني في الصميم هو إساءة لإيران وللشعارات التي رفعتها الثورة فيها؟
صمت رفسنجاني امام الظلم الذي تعرّض له الشعب السوري. صمت حيال جرائم «الحشد الشعبي» وقبل ذلك ميليشيات الأحزاب المذهبية في العراق. صمت حيال التدخل الايراني في اليمن، وهو تدخل ادّى الى تأجيج الصراع المذهبي في بلد لم يعرف في الماضي أي خلافات مذهبية.
فضّل رفسنجاني السلامة الشخصية دائما. حمى ثروته وثروة عائلته، وهي ثروة ضخمة. كان وطنيا إيرانيا من دون شكّ ولكن ماذا عن المبادئ الانسانية التي رفعتها الثورة الايرانية التي ما لبثت ان تحوّلت الى ثورة تستخدم فلسطين للمتاجرة بهذه القضية والمزايدة على العرب لا اكثر؟
مرّة أخرى، لا يمكن تجاهل ان رفسنجاني كان من ابرز الشخصيات التي انجبتها ايران. هذا لا يعني باي شكل انّ صمته تجاه المشروع التوسّعي لـ»الجمهورية الإسلامية» لم يكن صمتا مريبا. انّه صمت يكشف تلك الشوفينية الفارسية الموجودة في داخل معظم الايرانيين، خصوصا تجاه كلّ ما هو عربي في المنطق.