IMLebanon

أرذل الناس

إن الإنسان الذي يبحث عمّن يخلصه من نفسه التي فسدت وتعذر إصلاحها لا يهمه كثيراً في حقيقة الأمر «الشعار» أو «اللافتة» التي باسمها يقتل نفسه، ما دام أنه أيضاً تمكن من ترويع من قيل له إنهم سبب شقائه الذاتي. وتاريخ الإرهاب الحديث يوضح بجلاء أن هويات وأسماء الأعداء تغيرت باستمرار. ففي أوائل القرن الماضي كان الإرهابيون الشيوعيون يجدون متعة ونشوة بترويع وقتل «البورجوازيين» وأتباع القيصر، لأن لينين وربعه أقنعوهم أن من وجّهوهم لقتلهم هم سبب عذابهم الذاتي. وكذلك فعل الإرهابيون النازيون فقتلوا وروعوا كل من قيل لهم إنهم خونة للوطن أو للجنس الآري، وبذلك هم سبب ما يشعر به أولئك المتطرفون من نقص وشك في الذات.

أما الإرهاب الحالي باسم الإسلام فقد مر بطفرة جينية خبيثة لم يسبق لها مثيل. فعلى رغم لافتته الإسلامية، فهو وكما هو معروف، لا يفرق بين مسلم وغير مسلم، ولا بين عربي أو غير عربي، ولا بين قريب أو نسيب، ما دام ليس فرداً من أفراد التنظيم.

والمشترك بين الأفراد الإرهابيين اللاهثين وراء سراب قتل من قيل لهم إنهم سبب عذابهم الذاتي، هو ما كاد أن يجعلهم فئة واحدة حتى لو اختلفت الألسن والمعتقدات.

والمتطرف أو الإرهابي هو: «نموذج إنساني لا يثير التعاطف. إنه رجل قاسٍ، معتد برأيه، يصدق كل ما يقوله، كثير الجدل، وضيع ووقح. كثيراً ما يكون المؤمن الصادق (الإرهابي) على استعداد للتضحية بأقاربه وأصدقائه في سبيل قضيته المقدّسة. إن الوحدة المطلقة والاستعداد التام للتضحية بالنفس اللذين يعطيان الحركة الديناميكية (الإرهابية) اندفاعها الذي لا يقاوم لا يمكن تحقيقهما عادة، إلا بالتضحية بأشياء كثيرة جميلة وثمينة هي ما يميز الوجود الفردي للإنسان». (أريك هوفر*¹، ترجمه الدكتور غازي القصيبي*². الصفحة 297 من الترجمة العربية).

وكما قال هوفر أيضاً في الصفحة 129 من الترجمة العربية:

«كثيراً ما تكون الوطنية المحمومة، أو الحماسة الدينية أو الثورية، مهرباً من تعذيب الضمير». ثم يضيف الدكتور غازي رحمه الله: «في المملكة العربية السعودية تبين أن عدداً لا يستهان به من المنضمين إلى الخلايا الإرهابية كانوا في السابق يتعاطون المخدرات» (هامش الصفحة 129).

وفي هامش الصفحة 130 ينقل المترجم الدكتور غازي من كتاب عبدالله ثابت:

«يقول عبدالله ثابت: كان شيئاً معتاداً أن نسمع أن اثنين من إخواننا كشف أمرهما، وهما يتبادلان شهوة، فنعوذ بالله مما فعلاه، ونهجرهما، ثم يجتهد الكثيرون في أن يخفوا ما يستطيعون إخفاءه، مما يدور بينهم…».

وعودة إلى الكارثة الإرهابية التي ارتكبها تنظيم «داعش» في بروكسيل باسم الإسلام قد يبرز السؤال:

ما المشترك بين صلاح عبدالسلام، وخالد البكراوي، وإبراهيم البكراوي، ونجم العشراوي، ومحمد البريني؟

إن المشترك الأعظم بين إرهابيي بروكسيل، ليس مكان ميلادهم، ولا أين ولد آباؤهم وأمهاتهم، ولا كونهم ولدوا لأسر إسلامية، وإنما سجلهم الإجرامي وانحطاطهم الأخلاقي وما يرافق هذه الرذائل من شعور بالذنب، وما ينتج من ذلك من كره للنفس وعطش للتخلص منها.

وفي نهاية المطاف، أدت هذه السيرة القذرة لكل من المذكورين كما أدت في حقب تاريخية مضت بأمثالهم، إلى تعذيب الضمير، والإحساس بالذنب، حتى صار الإرهاب، سواءً باسم «داعش»، أم باسم غيره، مخرجاً، مضاء بأزهى الألوان، للهرب من نفوسهم المعذبة بعد أن جاءهم من أقنعهم أن سبب عذابهم الذاتي، ليست الذنوب التي ارتكبوها، ولا الجرائم التي اقترفوها، ولا السيرة الذاتية التي لطختها الرذيلة، وإنما البلجيكيون، أو الفرنسيون، أو أميركا والغرب عموماً، ومن لا يحارب معهم من العرب والمسلمين، وخصوصاً ذوي القربى ولو كانوا آباءهم وأمهاتهم.