IMLebanon

الراعي وهولاند: الرئاسة أولاً وآخراً

يزور البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي باريس في النصف الثاني من نيسان الجاري. في جدول الاعمال لقاء مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ستكون رئاسة الجمهورية بنداً أول فيه

يلتقي البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، في زيارته باريس في النصف الثاني من نيسان الجاري، الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في لقاء هو الثاني بينهما، بعد زيارة قام بها سيد الصرح في نيسان 2013 الى العاصمة الفرنسية. (حضر اللقاء حينها مستشار هولاند، ايمانويل بون، الذي سيعين سفيراً في لبنان بدلا من السفير الحالي باتريس باولي).

الزيارة البطريركية مخصصة اساساً لافتتاح مقر ابرشية أوروبا المارونية التي يترأسها المطران ناصر الجميل، في مدينة Meudon في ضواحي باريس، وأيضاً لافتتاح مقر المؤسسة المارونية للانتشار، لكن الزيارة تتعدى الاطار الرعوي، الذي يلحظ بحسب البرنامج الرسمي قداساً احتفالياً في كنيسة سيدة لبنان لمناسبة مئويتها الاولى، ولقاء في الاونيسكو وسلسلة اجتماعات، اذ ان الراعي سيغتنم وجوده في باريس لعقد لقاءات سياسية للبحث في الوضع اللبناني.

يمثل اللقاء مع هولاند، بالنسبة الى الراعي الذي يحرص في شكل دائم على التذكير بوجوب انتخاب رئيس للجمهورية، فرصة اساسية ومباشرة للحديث حول ضرورة اجراء الانتخابات بعد فراغ يكاد يقارب أحد عشر شهراً. والمفارقة ان لقاء الاليزيه سيكون غداة الجلسة 22 لانتخاب رئيس الجمهورية التي حددت في 22 نيسان، والتي من المؤكد أنها لن تعقد كسابقاتها.

اللقاء مع الرئيس الفرنسي سيعطي للزيارة الرعوية بعداً سياسياً محضاً، لا صلة له بالعلاقة التاريخية التي ربطت الموارنة او لبنان بباريس، اذ ان فرنسا تعدّ حاليا الدولة الغربية الوحيدة التي تتعاطى في الانتخابات الرئاسية اللبنانية في شكل واضح وعملي، وإن لم تؤد جهودها حتى الآن الى نتيجة ايجابية، فيما تغيب اي مبادرات عملية، عربية او دولية، من اجل الضغط على القوى المعنية لاجراء الانتخابات الرئاسية.

والاهتمام الفرنسي باجراء هذه الانتخابات، يلاقي رغبة البطريركة المارونية في ملء الشغور الرئاسي، ومساهمة فرنسا في الضغط اقليمياً ودولياً للافراج عن تسوية تتيح انتخاب رئيس. علماً ان هولاند التقى الشهر الماضي النائب وليد جنبلاط، وبحث معه في الشغور الرئاسي اضافة الى الوضع السوري، كما سبق لباريس ان اوكلت الى رئيس دائرة شؤون افريقيا والشرق الاوسط في الخارجية الفرنسية فرنسوا جيرو مهمة الاتصال بايران والسعودية والفاتيكان والقيادات اللبنانية كافة، للبحث في الاسباب التي لا تزال تعيق اجراء الانتخابات الرئاسية والدفع لاجرائها. والتقى الراعي جيرو لهذه الغاية في شباط الماضي في روما، وحثه على توسيع مروحة اتصالاته الاقليمية، كما ان فرنسا تؤدي دورا حيويا في مساعدة الجيش اللبناني عبر صفقة السلاح من خلال هبة الثلاثة مليارات دولار السعودية.

بين عامي 2013 و2015، تغيرت معطيات لبنانية وعربية كثيرة، وسترخي تطورات المنطقة بظلالها على زيارة الراعي لباريس، التي ستكون حكماً مختلفة تماماً عن اللقاء ــــ الحدث الذي جمع البطريرك الماروني مع الرئيس السابق نيكولا ساركوزي عام 2011، واثار حينها ضجة بسبب كلامه عن «الربيع العربي» والعلاقة مع سوريا. اما اليوم، فثمة مخاوف لبنانية محض، وهواجس لبنانية ومسيحية يفترض ان تمثل جدول اعمال لقاء الاليزيه.

فقد حمل الراعي في الزيارة السابقة، التي جرت في ظل وجود الرئيس ميشال سليمان في بعبدا، وفيما كانت المنطقة تعيش على ايقاع ستاتيكو امني وعسكري، عنوان الحفاظ على الاستقرار في لبنان، في ضوء التطورات السورية ومساعدة لبنان على مواجهة عبء النزوح السوري والقلق على هجرة مسيحيي الشرق، ولا سيما من سوريا. اما الزيارة الثانية، فتجري في اجواء اقليمية مشحونة وسط العاصفة التي هبت على اليمن وتفاقم التطورات في سوريا والعراق، والخشية المتزايدة من تعرض لبنان لارتدادات هذه الاحداث. وكذلك تجري في غياب رئيس الجمهورية وهو العنوان الاساسي الذي سيتصدر جدول اعمال الراعي، الذي لم يتمكن من توحيد القادة الموارنة على قرار اجراء الانتخابات. يضاف الى ذلك تصاعد خطر التنظيمات الاصولية وتنظيم «داعش» وما ترتكبه من مجازر وفظائع، وهو ما خبرته فرنسا مع العمليات الارهابية التي شهدتها اخيرا.

قد لا يعول كثير من الاوساط السياسية في لبنان على لقاء الراعي وهولاند، وخصوصا ان التجارب «الرئاسية» مع باريس غير مشجعة، اذ لم تنجح المبادارت الفرنسية لتجنب الفراغ الرئاسي الذي سبق اتفاق الدوحة، ولا ذاك الذي نشهده حاليا، لكن طرح ملف الرئاسة على الطاولة الاوروبية من البوابة الفرنسية، يسمح للبعض بأن يأمل في الحفاظ على الجهد الفرنسي كي يبقى ملف الانتخابات حياً، ولو فرنسياً، بعدما اجهضه القادة في لبنان.