كانت العلاقة بين سيّد الصرح البطريركي ورئيس الجمهورية مدار أخذ وردّ على رغم تأكيد الطرفين أن الأمور إيجابية، لكن هذا التباين لم يخرج إلى العلن في الأشهر الماضية.
يصرّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على دعم رئيس الجمهورية ميشال عون من منطلق تأكيده دعم المؤسسات، لكن عظات الراعي المتكررة منذ ما قبل ثورة “17 تشرين” كانت تسبب بعض الإزعاج لدوائر بعبدا، ولولا مناسبة عيد الميلاد لكانت اللقاءات غائبة بين الرجلين منذ مدّة.
عندما اشتعلت “ثورة 17 تشرين” أخذ الراعي مواقف مؤيدة للثوار ما أثار غضب السلطة الحاكمة، ولكن بعد فترة وجيزة وعندما كان الصوت يعلو لضرورة إستقالة عون خرج الراعي بموقف خلال استقباله وفد نقابة الصحافة أكد فيه دعم رئيس الجمهورية، معارضاً مطلب الإستقالة وذلك حفاظاً على الموقع وعدم دفع البلاد نحو الفوضى في ظل غياب إتفاق على بديل.
كل تلك الأمور جعلت العلاقة بين الراعي وعون ضبابية، إلى أن أتى موقف الراعي الأخير من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد الهجمة العونية عليه ومحاولة دفع الحاكم إلى الإستقالة، ونزل هذا الموقف كالصاعقة على بعض رجالات العهد الذين كانوا يحضّرون لفترة ما بعد سلامة.
ولم يكن الموقف يتيماً، ففي عز الهجمة على قائد الجيش العماد جوزف عون من قبل رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، خصوصاً بعد نشر صوره في السفارة اللبنانية في واشنطن لقائد الجيش مع المتهم عامر الفاخوري لحرق اسمه وانفجار الخلاف لاحقاً بين قائد الجيش ووزير الدفاع آنذاك الياس بوصعب، صعّد الراعي الموقف وقال إنه يجب الحفاظ على موقعي حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش وعدم التعرض لهما.
وشكّل الهاجس الإقتصادي البند الأساسي في إجتماع الراعي مع عون، وأتى هذا اللقاء قبل ساعات من مناقشة الخطة الإقتصادية في بعبدا والتي تفتح الباب للولوج الى الإصلاحات العملية والتخفيف من معاناة الشعب.
وسبق اللقاء تأكيدات صدرت من بعبدا بأن هناك تراجعاً عن مطلب إقالة الحاكم ما جعل اللقاء يأخذ طابعاً أكثر برودة، لأن موقف البطريرك واضح في هذا الإطار وهو ضدّ كل ما يحصل من محاولة للبحث عن “كبش محرقة”، بل إنه يعتبر أن الخلاف بين المؤسسات يُحل وفق الأطر الدستورية والقانونية وليس عبر العراضات الإعلامية والشعبية.
وعلى رغم الغضب العوني على الراعي، إلا أن اللقاء شكّل محطة لتبديد كل الهواجس وعدم الدخول في صدامات جديدة بل الإنصراف إلى معالجة الهموم الإقتصادية، وسط تأكيد رئيس الجمهورية على أولوية الإصلاح ولجم التدهور، وشرح البطريرك الخطة التي تنفذها الكنيسة من أجل مواجهة الحالة الإقتصادية والإجتماعية ودعم العائلات المحتاجة.
وضع البطريرك رئيس الجمهورية أمام حجم الكارثة الحقيقية التي تضرب لبنان وشعبه، وعبّر عن مخاوفه من زوال كيان الدولة على عتبة الإحتفال بالمئوية الأولى بعد أشهر وإنهيار المؤسسات، وطلب المباشرة باتخاذ خطوات جريئة بعيداً من سياسة المناكفات والإستئثار والمحاصصة والتنكيل وتصفية الحسابات.
يعرف الراعي جيداً أن المهمة الملقاة على عاتق أي مسؤول كبيرة جداً، ولا أحد يملك عصا سحرية، لكن العبرة تبقى في وضع القطار على السكة وعدم الولوج إلى سياسة تصفية الحسابات، وإلا فإن الهيكل سيسقط على رؤوس الجميع ولا يوجد أحد فوق رأسه خيمة.
الراعي: لا نقب بالتعدي على الأملاك
وكان الراعي قد قال بعد لقائه عون: “أريد ان أوجه تحية الى الثوار، لقد حيّينا دائماً الانتفاضة من اساسها، وقلنا إننا مع مطالبكم، ونشعر فيها معكم كمواطنين لبنانيين، لكننا كنا دائماً ننادي ان تكون الثورة على الدوام بناءة وحضارية وثقافية، بحيث تظهر وجه لبنان الى العالم. أما ان نصل الى ما يحدث اليوم من تعدّ على الاملاك العامة والخاصة، وتعدّ على الجيش والامن الداخلي ومن استخدام للحجارة، فهذا ما لا يمكن ان نقبل به على الاطلاق”.
وعن موقفه من موضوع حاكمية مصرف لبنان، أكد أن هذا الموضوع اخذ الكثير من الردود وفي غير محله، إن رئيس الحكومة قال ما قاله، والحاكم قال ما قاله أيضاً، وأصبح العمل الآن في الداخل. ما قلته يقوم على وجوب أن يسمعوا لبعضهم البعض ويقرروا وفق الطرق الدستورية وليفتحوا كافة القضايا التي نحن بحاجة اليها. هذا الموضوع اصبح بالنسبة لي ورائي. فكل احد قال ما قاله، واصبح عملهم كمسؤولين في الداخل. نحن نساندهم كمسؤولين لاتخاذ ما يجب من قرارات”.
وأضاف: “أنا لم أدعم الحاكم على أساس طائفي. وعندما دعمت الحكومة والرئيس دياب ليس لأنهم موارنة. نحن لا ندعم في أي مرة على أساس طائفي. نحن ندافع عن المؤسسات الدستورية. واذا ما تكلمت فليس على اساس ان فلاناً ماروني أم لا”. وشدد على “أنني من الاساس داعم للحكومة لأنه لا يمكننا ان نعيش في حالة اللااستقرار والفراغ”.