ما دام “حزب الله” رمى كرة الرئاسة الاولى في ملعب المسيحيين، وتحديداً في ملعب العماد ميشال عون، ليحمّلهم مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي، فان على الدكتور سمير جعجع عند لقائه عون حسم هذا الموضوع بالطريقة التي حسمها “الحلف الثلاثي” (شمعون – الجميل – اده) في الماضي عندما لم يتفقوا على اختيار مرشح واحد منهم يخوض معركة الرئاسة في وجه المرشح الياس سركيس، وذلك بأن أعطي كل واحد منهم مهلة اسبوع لمعرفة عدد الاصوات التي يستطيع ان يكسبها من النواب المسلمين. واذ لم يتمكن أي منهم من الحصول على العدد المطلوب، قرروا دعم ترشيح سليمان فرنجية من “تكتل الوسط” بعدما استطاع كسب اصوات كانت محسوبة لسركيس، وهي لنائبي الكورة اللذين فضّلا العلاقات المناطقية على العلاقات السياسية، وهكذا فاز فرنجية على سركيس بصوت واحد، وكان انتخابه أول انتخاب من صنع لبناني.
لقد قال العماد عون للبطريرك الكاردينال الراعي عندما التقاه في بكركي إنه يمتلك 55 صوتاً يؤيدون ترشيحه، وان لا مرشح سواه يمتلك هذا العدد، فأجابه البطريرك ان صندوق الاقتراع، في مجلس النواب هو وحده الذي يكشف حقيقة عدد الاصوات التي ينالها كل مرشح.
وفي اللقاء المرتقب بين جعجع وعون ينبغي ان يتم الاتفاق على ما اتفق عليه في الماضي اركان “الحلف الثلاثي” الذين أيدوا ترشيح سليمان فرنجية عندما تأكدوا ان ايا منهم لن يفوز بالرئاسة لان اكثرية اصوات النواب المسلمين ستصب لمصلحة المرشح الياس سركيس، وهم لا يريدون فوزه، بل يريدون تأييد المرشح الذي يستطيع الفوز عليه فأيدوا فرنجية. فهل يوافق العماد عون على ما يدعو اليه جعجع وهو النزول الى مجلس النواب ومباشرة انتخاب اي من المرشحين المعلنين وغير المعلنين لرئاسة الجمهورية، أو أن تبدأ دورة الاقتراع الاولى بانتخاب جعجع أو عون، حتى اذا لم يفز اي منهما باكثرية الاصوات المطلوبة ينتقل البحث بين الاقطاب المسيحيين والاقطاب المسلمين عن المرشح الذي يستطيع الفوز بهذه الاصوات، فاذا تعذر الاتفاق يصير الاحتكام عندئذ الى صندوق الاقتراع في مجلس النواب بحيث يفوز بعد فرز الاوراق المرشح الذي ينال عدد الاصوات المطلوبة اكثر من غيره؟
لقد تحمل اركان “الحلف الثلاثي” في الماضي مسؤولية اتخاذ قرار بتأييد ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، عندما وجدوا انه هو المرشح الوحيد القادر على منافسة المرشح الياس سركيس، ولم يفعلوا ما يفعله العماد عون بالقول إما ان يكون هو المرشح الوحيد والا فلا انتخابات رئاسية، مع علمه انه لا يحظى بعدد الاصوات المطلوبة وهي 65 صوتاً على الاقل، وهي اصوات لا ينالها اي مرشح من 8 أو 14 آذار إنما ينالها مرشح مستقل ومن خارج هذين التكتلين. لذلك فان عون اذا ظل مصراً على موقفه ورفض التصرف كما تصرف اركان “الحلف الثلاثي” لايصال رئيس من صنع لبنان، يكون هو الذي جعل الخارج يصنعه، ولا احد يعرف متى يصنعه ما دامت الحرب مستمرة ولا سيما في سوريا، ولا حلول قريبة المنال كما يبدو لوقفها. وهذا معناه ان ازمة الانتخابات الرئاسية ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، وقد تجعل الاستقرار السياسي والامني الذي ينعم به لبنان بقرار عربي واقليمي ودولي يهتز في ظل حكومة التناقضات والاضداد التي لا يعرف أحد متى تنفجر من الداخل باشارة من الخارج ليكون الفراغ الشامل الذي لا خروج منه الا بعقد مؤتمر تأسيسي او مؤتمر وطني يعيد النظر في اتفاق الطائف، وهو ما تريده ايران ومعها “حزب الله” لاعادة النظر في توزيع الصلاحيات على السلطات الثلاث على نحو اكثر عدالة وانصافاً. واذا كان اتفاق الطائف كلف لبنان آلاف القتلى والجرحى وعمّه الخراب والدمار توصلا اليه بعد وضع رافضيه بين خيارين: اما القبول به واما عودة المدفع، فكانت الموافقة عليه تحت ضغط الوقت والخوف من هذه العودة، فان اي اتفاق آخر قد لا يكون اكثر عدالة في ظل خلل فاضح في التوازنات الداخلية، وفي ظل سلاح خارج الدولة تكون له الكلمة الاقوى في اي اتفاق، وفي ظل شغور رئاسي ضاغط يتم ملؤه برئيس يختاره الخارج ويفرضه على الداخل، ويكون اختياره في مصلحة صانعيه وليس في مصلحة لبنان…
واذا لم يكن الحوار الثنائي بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” حاسما بالنسبة الى انتخاب رئيس للجمهورية، فانه ينبغي ان يكون حاسماً في لقاء عون – جعجع وانضمام اقطاب موارنة آخرين اليه، والا تحمّل المسيحيون، وتحديداً الموارنة، مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي الى اجل غير معروف، او الى حين تتوصل الدول المعنية الى تقاسم النفوذ والمصالح في المنطقة، ويكون رئيس لبنان من ضمن الصفقة، كما يكونون قد اضاعوا الفرصة ليتولوا هم انقاذ لبنان.