لم تكن مجرد صدفة ان يتقاطع تحرك البطريرك الماروني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي باتجاه القصر الجمهوري في بعبدا، ولقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بعد أقل من ثلاث ساعات على زيارة الرئيس فؤاد السنيورة الصرح البطريركي ولقائه الكاردينال الراعي، وفي جعبته رسالة دقيقة، وبالغة الأهمية، لم يكن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري بعيداً عنها، وخلاصتها «ضرورة ان تتشكل الحكومة في أسرع ما يمكن.. حيث لم يعد لدينا ترف الوقت والانتظار والاختيار، فلقد أضعنا فرصاً كثيرة، واليوم لا بد من التأكيد على ضرورة احترام القواعد والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها الأوطان من إحترام للدستور وللقوانين ولسلطة الدولية..».
لم يخف الرئيس السنيورة، خلال لقائه البطريرك الراعي، ان «القضية شديدة الصعوبة، ولكنها غير مستحيلة اذا توفرت الارادة من أجل المعالجة.. وجرى بحث مستفيض في الدستور واتفاق الطائف..» املاً ان يشكل هذا اللقاء مادة حيوية في لقاء البطريرك ورئيس الجمهورية.. وان يعمل صاحب الغبطة ما بوسعه، وبما لديه من امكانات معنوية مؤثرة، حافزاً لدى المعنيين لتسهيل ولادة الحكومة والعمل على تخفيف سقوف المطالب التي تعرقل هذه الولادة..
ليس معروفاً بالضبط، بل ليس مؤكداً ان زيارة الراعي القصر الجمهوري جاءت بنت ساعتها، وقد أدرك صاحب الغبطة خطورة المرحلة التي يمر بها لبنان، أم ان زيارة السنيورة جاءت على معرفة مسبقة منه بأن البطريرك سيزور بعبدا ولا بد من تحميله هذه الرسالة غداة اجتماع روساء حكومات سابقين في «بيت الوسط..». وفي مطلق الاحوال، فإن الزيارتين كانتا في محلهما وتوقيتهما، وسط أجواء المراوحة السلبية التي تسيطر على ملف تشكيل الحكومة العتيدة وغياب المؤشرات في اتجاه الولادة القريبة، التي لا ينفك سائر الافرقاء عن الدعوة اليها..
ساعات قليلة، واستقبل الرئيس الحريري ليلا في «بيت الوسط» رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وعلى ما جرت العادة، فقد تناول اللقاء – الذي تخلله مأدبة عشاء – الوضع السياسي العام، وتحديدا ما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة، خصوصا وأن «القوات» هي أحد «الثنائي الماروني» المتهم بالعرقلة.. واذا لم يصدر عن المجتمعين أي بيان، او موقف، فإن المعلومات الاولية المسربة، تفيد ان الرئيس الحريري قدّم عرضاً اذا ما قبل به جعجع، فذلك يعني ان التشكيلة الحكومية تكون حققت تقدماً لا بأس به، واذا ما رفضه فذلك يعني اطالة أمد المراوحة..».
لم يعطِ جعجع أية اشارة، بل طلب من الرئيس الحريري اعطاءه مهلة ساعات فكان له ما أراد.. على رغم تأكيد الرئيس المكلف على ان الاسراع بتشكيل الحكومة بات مطلباً داخليا وخارجياً ملحاً، وهو مسؤولية كل الاطراف.. مشدداً على أنه «الرئيس المكلف، وسيبقى مكلفاً وسيشكل الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية..»، على رغم ارتفاع نبرات الاطراف المعنيين،»،هو الذي يعرف أكثر من غيره التفاصيل، وتحديداً ما يتعلق بالعقدتين الاساسيتين، المسيحية والدرزية.
يمضي الرئيس الحريري في اتصالاته، المعلنة وغير المعلنة، وهو على قناعة بأن «لا أحد يحدد لي مهلاً إلا الدستور..».
من بعبدا، أطل البطريرك الراعي – بعد جلسة اتصفقت بالعفوية والصراحة والمسؤولية مع الرئيس العماد عون وقد استمع الى ما لدى الرئيس من معطيات حول الاوضاع العامة الخارجية والداخلية – معلناً أمام الرأي العام أنه شعر ان الرئيس عون متفائل لجهة ما سيحمله الرئيس الحريري في شأن تشكيل الحكومة..» وقد نقل الى محيطه القريب منه «ان الحريري سيقدم تشكيلة من الممكن ان تكون الحل للأزمة الحكومية التي تعصف بالبلاد.. خصوصاً وأن الافرقاء كافة وصلوا الى «الحائط المسدود» ولا بد من مخارج..
وعد الرئيس الحريري وهو يحدد ثوابته بأنه سيسمي المعرقلين، والرئيس عون، لايزال متمسكاً بـ»لاءاته» في مواجهة «الشروط التعجيزية» لـ»القوات اللبنانية» و»الحزب الاشتراكي» بقيادة وليد جنبلاط.. وهو ينتظر، على «أحر من الجمر» ما سيحمله الرئيس المكلف من صيغة او صيغ، ليبني على الشيء مقتضاه.. مع الاشارة الى ان مقربين جداً من الرئيس الحريري يؤكدون تمسكه «بتشكيل حكومة وفاق وطني وعدم الذهاب الى حكومة لا تكون فيها كل الكتل والقوى السياسية في البلد ممثّلة..».
قد يكون من المبالغة في الاستنتاج المتفائل ان تكون زيارة الراعي القصر الجمهوري ولقائه الرئيس عون أحدثت نقلة نوعية ما، و»كلمة السر» لم تبلغ الى الافرقاء كافة لرفع العصي من دواليب عربة تأليف الحكومة.. على رغم اعلان غير فريق، على ضرورة الاسراع في التشكيل، والتشديد على أهمية ان يخرج المعرقلون من اختراع الاسباب لتعطيل تشكيلها، «واذا كان هناك مواضيع للنقاش فلتطرح بعد التشكيل، وليس قبلها..»؟!