الراعي لجعجع: إذا كنتم لا تريدون تأييد ترشيح عون فأبلغوه جواب “الحكيم”: حوارنا مع “الجنرال” أوسع بكثير من الرئاسة!
قبل دخوله المستشفى لإجراء فحوص طبية، بعث البطريرك الماروني بشارة الراعي رسالة إلى الدكتور سمير جعجع، فحواها: طال كثيراً الحوار مع الجنرال ميشال عون وهذا ليس جيداً. إذا كنتم لا تريدون تأييد ترشيحه لرئاسة الجمهورية فالأفضل أن تبلغوه بموقف حزبكم من دون تأخير.
كان جواب الدكتور جعجع لدى تلقيه الرسالة: “حوارنا مع الجنرال عون أوسع وأعمق بكثير من موضوع رئاسة الجمهورية، يشمل كل تاريخ العلاقة بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، وكل نقاط الاختلاف بينهما، نعكف على مناقشتها والبحث فيها، وموقفنا من رئاسة الجمهورية معروف وهو أن علينا النزول جميعاً إلى مجلس النواب وننتخب رئيساً”. جعجع نفسه كان قد صرح: “نتحاور حول الجمهورية قبل رئاسة الجمهورية”.
يقول مرجع كنسي لـ”النهار” إن ما دفع البطريرك إلى توجيه هذه الرسالة إلى جعجع هو تحرقه لانتخاب رئيس. طرق كل الأبواب وبح صوته وهو يناشد ويسعى ويحض جميع من يتعلق بهم الأمر أو يمكن أن يكون لهم تأثير إيجابي في حل معضلة ملء الفراغ الرئاسي المتمادية منذ نحو ثمانية أشهر، واثقاً ومتأكداً أن لا قيامة للدولة إن لم ترتكز على وجود رئيس يؤمن، في آن واحد، انتظام عمل المؤسسات الدستورية والمشاركة الميثاقية اللبنانية.
يكشف المرجع أن المتوافر من معلومات عن الأجواء “الحقيقية” للحوار الدائر بين حزب “القوات” و”التيار العوني” يحمل على الاعتقاد بأن الجنرال عون لن يقبل بعقد لقاء مع الدكتور جعجع إذا لم يتوّج اللقاء بتبليغه قرار “القوات” تأييد ترشيحه للرئاسة. بالطبع يعرض عون في المقابل ضمانات ومكاسب متعددة النوع لـ”القوات” اذا سارت بهذا الخيار.
الحوار جيد ويكفي أنه يهدئ نفوساً لطالما ثار بعضها ضد بعض، ويزيل ترسبات أحقاد عند الناس، ويسقط دعاوى قضائية بين الجانبين. لكن التطويل فيه لم يعد يقدم مردوداً إيجابياً إلى الوضع اللبناني المتأزم من كل النواحي. قد يكون يفيد الدكتور جعجع و”القوات” إذ يحقق لهم مكتسبات من غير عطاء حقيقي ينتظره الطرف الآخر. ما حصل أن “القوات” – بحسب رأي سياسي متابع- أخذ فريق “التيار” إلى متاهة بحث في أوراق عمل تتعلق بالرؤية إلى الدولة وشروط قيامها واستمرارها والإصلاحات المطلوبة في مجالات شتى، والسياسات المثلى التي يتوجب على الدولة اتباعها للخروج من المآزق والبناء على أوضاع سليمة. تصطدم وستصطدم هذه العملية حتماً بالتحالف “الغالي” الذي ثبّته الجنرال عون مع “حزب الله”، تحالف وصل حتى إلى مستوى قواعد باتت شبه مشتركة. يكفي أن ترفع “القوات” الشروط والخيارات والعناوين التي رفعها الجنرال عون في وجهها أواخر الثمانينيات كي لا يصل الحوار إلى نتيجة: “الدولة أو الدويلة؟” مثلاً. وهل تقوم دولة بوجود سلاح غير شرعي إلى جانب سلاح الجيش والأجهزة الأمنية الشرعية؟ ومن يحدّد قرار الدولة بالسلم أو الحرب، والمواقف من الالتزامات والقرارات الدولية؟
يمكن إرجاء الخوض في هذا الموضوع الشائك، ولكن إلى متى؟
رغم المشقة، يبقى تجاوز الماضي أسهل من الاتفاق على المستقبل. إلا أن بكركي تقيم على قلق وأسى في انتظار نتائج هذا الحوار، الطويل والبلا أفق منظور عملياً. بين جدرانها أقرّ الجنرال عون في زيارته الأخيرة لها، عقب دعوة البطريرك المجهضة إلى اجتماع للزعماء الأربعة، بأن عدم انتخاب رئيس للجمهورية ينعكس سلباً عليه وعلى تياره لأن الناس الواقفين في الوسط وهم الغالبية بدأوا يلومونه بقوة في مجالسهم. سمع الجنرال دعوة، بحسب المرجع الكنسي البارز، إلى التوجه مع أعضاء التكتل الذي يترأسه إلى البرلمان إذا كان يعتقد بأن له حظاً في الفوز بالرئاسة، وإذا صوتت له غالبية فيصبح رئيساً. وإلا فالأفضل أن يتبنى ترشيح شخصية أخرى ويسعى إلى تأمين فرص الفوز لها ويتوجه أيضاً على رأس “التكتل” إلى البرلمان لانتخابها. فهكذا تكون الإنتخابات في كل البرلمانات والمجالس. البطريرك الراعي انتُخب بهذه الطريقة والبابا فرنسيس وجميع رؤساء الدول ذات النظام الديموقراطي. لا يخطر ببال أحد في ظل نظام ديموقراطي اشتراط معرفة اسم الرئيس لتأمين نصاب جلسة انتخاب.
أقر الجنرال عون بوجاهة هذا الرأي، إلا أنه ارتأى عدم إعطاء رأي مقابل قبل التشاور مع حلفائه، لياقةً وأصولاً. الحلفاء هؤلاء زار وفد منهم بكركي برئاسة رئيس المجلس السياسي لـ”حزب الله” السيد ابرهيم أمين السيد في اليوم التالي لعيد الميلاد الماضي. سمع الوفد الرأي نفسه وكان جوابه أن لا بد من التشاور مع الحليف المعني، الجنرال عون. وفي خضم حوارهم المستمر والطويل مع “القوات” لا يرى السياسيون العونيون منطقاً في اقتراح الانتقال إلى البحث في تأييد مرشح غير الجنرال عون. لا يزالون يأملون في أن يؤيده الدكتور جعجع. في جعبتهم عدم ممانعة من السعودية ومن “تيار المستقبل” أيضاً “شرط أن يوافق حلفاؤنا المسيحيون في قوى 14 آذار”.
إنها دوامة. متاهة. لعلّ البطريرك الراعي كان لا يزال يتساءل وهو يتوجه إلى المستشفى: “أين الرأي العام لماذا لا يتحرك؟ لماذا لا يعتصم النواب في البرلمان حتى انتخاب رئيس؟ كل العالم ساكت. ليه؟”.