لا يزال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يعبر امام زواره عن ارتياحه لنتيجة اللقاء الماروني الذي عقد في بكركي، بحيث يتوقف الراعي امام الاجماع على المقررات ذات الصلة بالحفاظ على الطائف والحفاظ على هوية لبنان بعيدا عن السجال السياسي الذي شهده اللقاء، وقد حمّل الراعي النواب المجتمعين مسؤولية الوصول الى هجرة المسيحيين.
فقضية المثالثة التي تمّ تناولها غير مطروحة اصلاً لدى الطائفتين الشيعية والسنية، وهذا جو رعب، اطلقته ذات يوم المخابرات السورية واللبنانية وساهم الرئيس اميل لحود بالتهديد بهذا الامر مع جهازه الامني كي يضرب 14 آذار.
فلقاء بكركي هو ذو بعد كياني ومصيري يتجاوز المواقف السياسية التي عبر عنها الطامحون للرئاسة ليأتي موقف بكركي استمرارا لبطاركة عظماء خطوا نهجا للموارنة بدءا من الحويك، العريضة، المعوشي، صفير، وصولا الى يومنا هذا حيث طرح الراعي في كلمته جوهر مواقفهم السيادية والكيانية ليضعها على عاتق القوى السياسية ومن ثم نوابها الذي يدورون في فلكها لأن الوضع الذي يمر به لبنان دقيق جداً.
فلم يقصد الراعي في دعوته هذه لتظهير الامر وكأن الازمة هي على عاتق المسيحيين او الموارنة بشكل خاص، انما اراد ان يضع بين أيديهم وديعة تتمثل بثوابت بكركي على قاعدة تحفيزهم للسعي لتجاوز الازمات التي تشهدها البلاد ولا سيما الاقتصادية الناتجة عن جملة عوامل ومنها العنصر الحكومي المطلوب معالجته للاسراع في تأليفها لعل ذلك يستدرك حيزا من التقهقر الاقتصادي الاجتماعي الذي قد يدفع بالمسيحيين الى الهجرة.
لكن بعيد اللقاء كان كما قبله لناحية الخلاف على تشكيل الحكومة، اذ لا يزال رئيس تكتل لبنان القوي الوزير جبران باسيل يتمسك بحقه للحصول على الثلث المعطل لتقوية نفوذ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تعويضا عن صلاحيات سلخها اتفاق الطائف، بحيث يشكل الثلث المعطل ورقة من شأنها ان تفرض قرارات رئيس الجمهورية بقوة على طاولة مجلس الوزراء ليمنع ما ليس يريده وليفرض ما يرتأيه.
ثم لاحقا و«تحسبا» قد يكون هذا العدد احدى نقاط القوة في يد باسيل الى جانب عديد تكتله النيابي ليفرض ذاته رئيسا للجمهورية لإخراج البلاد من «الفراغ» والا لن يسهل الامر لصالح رئيس غيره هو بعدما ما بات مرتقبا بأن خليفة عون قد يكون رئيس تيار المردة سليمان فرنجية او حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
ويفتح تمسك باسيل بمطلبه الحكومي بابا على مفهوم الثلث المعطل، لأن ما يصح مع عون قد لا يصح مع خليفته نظرا لأنه يمتلك تيارا سياسيا انتج 29 نائباً وسيتمثلون بستة وزراء فيما هو يطالب بـ5 لتحقيق صيغة الثلث المعطل، وهذا واقع أدى الى حجب تمثيل غير قوى اخرى اسوة بالكتائب اللبنانية والمستقلين، لكن في حال خلف عون رئيس لا يملك حجما نيابيا يوازي تكتل لبنان القوي عندها ستكون معضلة كبيرة.
فرنجية على سبيل المثال يترأس تكتل من 7 نواب وربما يعطيه الحق بوزيرين او 3 واذا ما كان له حصة رئاسية من 4 او 5 وزراء وفق التفاهم او العرف الذي سيثبت سابقة قد يصل عدد نوابه الى ثمانية فلن يستطيع ان يؤمن الثلث المعطل والا عمد الى توزير شخصيات لتحقيق هذا العدد بحيث يبقى أمام التيار الوطني الحر والقوات اربعة مناصب وزارية لتقاسمها، وهو أمر لا يتطابق مع العدالة الوزارية داخل الحكومة حيث سيكون عندها التيار اول المتضررين.
وفي هذا الوقت يبدو حزب الله متمسكا بضرورة تمثيل «اللقاء التشاوري» على غرار ما اعلن الشيخ نعيم قاووق بالامس مما سيفرض اقتطاع وزير من حصة الثلث الضامن الذي لن يتنازل عنه عون – باسيل قياسا الى مواقفهما المتكررة في هذا الحقل بما يبقي باب التشكيل مفتوح على ازمة غير محددة الافاق وتترك تداعياتها على رصيد العهد وعلى تراجع الواقع السياسي الاقتصادي في البلاد.
وتأتي حسابات باسيل الرئاسية بالتوازي مع مواقف لافتة أطلقها تجاه سوريا بهدف منافسة فرنجية على «حضنها الدافئ» منطلقا من انه قادر ان يؤمن للرئيس السوري بشار الاسد ولحزب الله كمية مواقف وشجاعة دفاع عن محور الممانعة ما لا يستطيع عليه فرنجية بعد ان لمس باسيل بأن ثمة عتاب في محور الممانعة على الكثير من المواقف والاداء التي اقدم عليهما ولا سيما علاقته المتميزة برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي يتناغم واياه في عدة محطات لم ترضِ فريق 8 آذار على ما عبّر عنه عضو كتلة التنمية والتحرير هاني قبيسي بإطلاقه النار على الحريري الذي يساير باسيل ولا يقدم على حسم تشكيل الحكومة. علما ان قرار التأليف بات صعبا بعد كلام الدبلوماسي ألأميركي ديفيد هيل عن نوعية الحكومة وما كان له من موقف سلبي في لقائاته تجاه تمثيل حزب الله، لكن اندفاعة باسيل اجهضها غياب سوريا عن كلمة عون بحيث لم يأتِ اسفه على غيابها بطريقة مباشرة.