IMLebanon

الراعي حيث لم يسبقه أحد… فمَن يُلاقيه؟

اكتَسبت جولة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على ذوي الشهداء العسكريين وترؤسّه الصلاة الجنائزية في أربعين الشهيدَين صبحي ونديمة الفخري في بتِدعي أهمية بالغة. ومن المُفترَض على أصحاب الإنتقادات التي نالت منه في جولاته الرعوية في القارات الخمس وفلسطين المحتلة، أن يلاقوه جميعاً بتصويب الرماية هذه المرة. كيف ولماذا؟

ظهر جلياً أنّ سيّد بكركي قد أتقَن على أبواب أفول العام الرابع لتربّعه على كرسي «مَن أعطيَ له مجد لبنان»، ألّا يتطلّع الى الخلف. فحمَلات التجنّي التي واكبت مسيرته والإنتقادات العنيفة التي تعرّض لها على رغم صوابية ملاحظات قلّة من القيادات اللبنانية الحريصة على موقعه وكرسيه والتي أصرّت على إبلاغه إيّاها ضمن جدران اربعة، بلغت الذروة من دون أن تُغيّر في واقعه شيئاً ولا في تصرّفاته التي كرَّست حرصه الدائم على وحدة لبنان واللبنانيين، وسعيه الى حماية نسيج أهله من مختلف الطوائف.

على هذه الخلفيات، يمكن قراءة جولة الراعي الأحد على آل حمية والبزال ومدلج في قرى البقاع متنقّلاً من منزل الى آخر، يشدّ على أيادي آباء الشهداء وأبنائهم وأشقائهم، معزِّياً بفقدان أبنائهم، معبّراً عن تقديره البالغ لمواقف تقطع الطريق على الفتنة المذهبية وتؤكّد انتماءهم الى مؤسّستين عسكرية وأمنية وطنيتين، كانتا وما زالتا عابرتين لكلّ الطوائف والمذاهب.

وفي هذه الأجواء، أعطَت زيارة الراعي التي لم يسبقه اليها أحد من المرجعيات السياسية والروحية أفقاً جديداً لمواكبة الملفات المطروحة بعيون لبنانية لا تتطلّع الى إرضاء الخارج وإعطائه أيّ أولويّة على أيّ شأن داخلي.

فالجميع بات يعرف أنّ بعضاً من الإرهاب يُبرّر الإرهاب الآخر، وأنّ التصرّفات الرعناء للبعض تُقدّم الهدايا على أطباق من ذهب وفضة لمَن يعاندهم أو يعلن ذلك ويُجاهر به شكلاً، فيما واقع الأمور يقود الى مصالح مشترَكة لا تتوافر إلّا بهذه الثنائية المتبادلة في الصراع المذهبي في المنطقة، والتي باتت تُهدّد مستقبل البلاد والعباد والتضامن الهش بين اللبنانيين.

فعلى هامش الجولة البطريركية، نما نقاش عميق تناول بعض الملفات الأساسية التي فتحتها بكركي وسعت الى مقاربتها بجرأة قبل أن تتبخّر جهودها وتتحطّم على صخرة أنانيات البعض وتراجع البعض الآخر عمّا تعهَّد به، فظهر أنّ بعض قادة المجتمع المسيحي ملحَقٌ بهذه القوة أو تلك وتنكّر لمسؤوليّاته بين محطة وأخرى.

وهؤلاء القادة يدركون أنّهم من حجارة الداما في لعبة تقودها محاور إقليمية ودولية أكبر من لبنان ولا تُعير مصالحه الحيوية أيّ أهميّة أمام حجم ما هو معروض من مصالح كبيرة في أسواق الخلافات الدولية في المنطقة، والتي جُنِّدت لها مختلف أنواع الأسلحة العسكرية والمالية والإقتصادية، وحتى الإستراتيجية، والتي باتت تُهدّد اقتصاديات دول كبرى في لعبة بالغة الخطورة يمكن أن تطحن شعوباً بأكملها، وهو ما يحصل في سوريا وأكثر من دولة في المنطقة والعالم.

وفي النقاش الذي دار، ملاحظات أساسية يمكن الولوج اليها من خلال جولة الراعي. فهو لم يُميّز بين عائلة شهيد عسكري عن عائلتَي شهيدَين آخرَين هدَّد مقتلهما نسيج المجتمع البقاعي وتكوينه الطائفي والمذهبي، وفتح نقاشاً في شأن العلاقة التي يجب أن تكون بين الجيش والمقاومة اللذين وُجِدا في بيت واحد.

كما حوّل مصير مجموعات يمكن أن تكون مستهدَفة بين لحظة وأخرى، أو أن تتحوّل حجر رحى في وجه من وجوه الفتنة المذهبية التي يمكن أن تأكل الأخضر واليابس، فوجّه من خلال ترؤسه جناز الأربعين رسائل في كلّ اتجاه، أبرزها في اتجاه حماة القتلة سواء كانوا في لبنان أو في سوريا، فمرجعيتهم واحدة وهي قادرة على تسليمهم متى شاءت بمجرد إيماءة لا أكثر.

وعليه ومهما قيل في زيارة الراعي البقاعية، فهي ستبقى صرخة في وادٍ، ما لم تتوحَّد الجهود لإستعادة العسكريين المخطوفين من براثن الإرهاب بموقف لبناني واحد يتخطّى المشاريع الصغيرة والفئوية. ويستعيد البقاع تجربة تَحمي تنوّعه الطائفي بتسليم قتلة آل فخري الى العدالة. فهل هناك مَن يلاقي الراعي في منتصف الطريق؟