فجّر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قنبلة من العيار الثقيل لم يكن أحد يتوقعها، إذ هاجم المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان متّهماً قوى الأمن بفبركة ملفات لأشخاص من دين واحد ومذهب واحد وتعذيب الناس في أقبية الأمن الداخلي وشعبة المعلومات خلال التحقيق معهم.
لا تزال بكركي ترفض الإفصاح عمّا قصده الراعي في هجومه، ولماذا هذا التوقيت، وهل هو مرتبط باستجواب المقدّم سوزان الحاج أو توجد قضايا أخرى استفزّت الراعي.
وتزداد الأسئلة حول هذا الهجوم خصوصاً أنها المرة الأولى التي يسمّي البطريرك الماروني مؤسسة أمنية ويسمّي المسؤول عنها، فهل تعذّر الإتصال المباشر بين الراعي وعثمان لبحث كل هذه القضايا، خصوصاً أنه معروف أنه لا يُرفض طلب للبطريرك، ولماذا اختار الراعي زيارة وفد نقابة المحررين ليطلق هذا الوابل من الهجوم؟ وإذا كانت بكركي تؤكّد أن الهجوم لن يكون يتيماً بل ستتبعه إضاءات على ملفات فساد في أكثر من مؤسّسة عامة، فإنه ليس بوسع المراقبين إلا انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تصعيد بطريركي، أو أن تسلك الأمور طريقها نحو المعالجة وتقف عند هذا الحدّ.
ولا يستطيع أحد التكهّن بما ستحمله الأيام المقبلة، إذ أن مراقبي مواقف الراعي وحراكه لا يمكنهم أن يعرفوا ماذا سيفعل أو ماذا سيطلق من “قنابل متفجّرة”، فهو الذي نقل عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منذ آذار 2018 أن البلد “مفلّس” ويواجه خطر الإنهيار الإقتصادي، ممّا خلق بلبلة في ذلك الوقت وخرجت تبريرات عدّة بعدها في محاولة لضبضبة الوضع وعدم زرع المخاوف أكثر في الأسواق.
ومنذ ذلك الحين لا يوفّر الراعي أي مناسبة للتحذير من خطر الإنهيار، ويستند في ذلك إلى تقارير إقتصادية، وعلى رغم تطمينات معظم القيّمين على الوضع الإقتصادي، إلا أن الراعي ماضٍ في تحذيراته ولم يحِد عنها.
هذا بالنسبة إلى الإقتصاد، أما سياسياً، فإن مواقف الراعي لا تعجب أحداً و”تحيّر” جميع السياسيين، بعضهم يتّهمه بأنه أقرب الى “8 آذار” والبعض الآخر يتّهمه بمسايرة “14 آذار”، وآخرون يعتبرون أنه يأخذ مواقفه “على القطعة”. لكنّ الحقيقة مغايرة تماماً، إذ أن مواقف الراعي ليست إيديولوجيّة بل إنها تُتّخذ حسب الحدث، فبالطبع الظرف الحالي مغاير لمرحلة البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، والقيّمون على الصرح يعتبرون أن المواقف الإيديولوجية لا تنفع في هذه الظروف، لأن لكل ظرف موقفه.
وعن الإتهام بقربه من العهد، لا تُنكر بكركي أنّ “الراعي على تناغم مع رئيس الجمهورية ميشال عون وهو يدعمه، والعلاقة مع عون ممتازة ولا يستطيع أحد التدخّل بين الرجلين، هناك بعض الملاحظات، لكن هذه الملاحظات تقال خلال الإجتماع بينهما”.
ويحتفظ الراعي بعلاقات جيدة مع الرئيس سعد الحريري، حيث دعمه في محطات عدّة، في حين أنه لم يوفّر أحداً من المسؤولين من الهجوم عليهم في عظاته عندما يتحدّث عن تدهور الوضع الإقتصادي والإجتماعي.
ويحاول الراعي أن يتبع سياسة محايدة ترضي جميع الأطراف، وأن يكون “بيّ المسيحيين” لكن من دون التنازل عن الثوابت الوطنية، وتفتخر بكركي بأن “مصالحة معراب” مرّت أولاً من عندها عندما جمع الراعي القادة الموارنة الأربعة، وبأن المصالحة التاريخية بين رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع ورئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية حصلت في بكركي في 14 تشرين الثاني العام 2018، ويصرّ الراعي على أن تبقى أبواب الصرح مفتوحة أمام الجميع.
مرّات عدّة كُسرت “الجرّة” بين الراعي و”حزب الله”، ووصل التأزم في العلاقة الى توقّف إجتماعات اللجنة المشتركة للحوار بين “الحزب” وبكركي والتي شكّلت منذ أيام البطريرك صفير، إلا أنه وعلى رغم هذه القطيعة وعتب “الحزب” على زيارة الراعي السعودية ومواقفه اللاحقة ضد السلاح غير الشرعي وبعض ممارسات “الحزب” إلا أن “شعرة معاوية” لم تنقطع نهائياً.
ويؤكد عدد من المراقبين لسياسة الراعي أنه لا يمكن تصنيفه في خانة معينة، فهو البطريرك الذي هوجم عندما ذهب الى سوريا لزيارة رعيته، وفي الوقت نفسه خوّن بعدما كسّر كل الحدود وكان بطريركاً إستثنائياً عندما زار الأراضي المقدّسة ودخل الى عمقها لتفقّد الموارنة هناك، ومن هذه الحادثة يتضح للجميع أنه بطريرك لا يوضع في خانة معينة، أو ينتمي إلى أحد الأفرقاء السياسيين أو يُناصر فريقاً على حساب آخر.