IMLebanon

غارات وتحولات

لا يمكن تشبيه الحرب التي انطلقت البارحة بحرب تحرير الكويت. ولا بحرب إسقاط نظام صدام حسين. ولا بحرب إسقاط معمر القذافي. إننا في بدايات حرب مفتوحة مختلفة بطبيعتها وأهدافها وتعدّد مسارحها وصعوبة التكهّن بمفاجآتها وموعد نهايتها.

في بداية الحرب على تنظيم «داعش» وأخواته يمكن تسجيل بضع ملاحظات:

– إنها حرب لم تسعَ أميركا إليها بل اضطرّت في النهاية الى خوضها. هرب باراك اوباما طويلاً من مستنقعات الوحل والدم في الشرق الأوسط. نجحت «دولة البغدادي» بارتكاباتها وأخطارها في استدراجه مجدداً الى المنطقة فجاء بعدما اشترط عدم إقحام الجنود الأميركيين في حرب برّية جديدة.

– إنها حرب تدور على الأرض العربية وستُحدّد نتائجها مستقبل أنظمة ودول وخرائط وتوازنات. وهي شهدت منذ لحظة انطلاقها تطوراً بالغ الأهمية تمثّل في المشاركة العربية في الضربات الجوية ضد الإرهابيين على الأرض السورية. مشاركة الأردن ودول عربية خليجية في ضرب «داعش» تعكس بوضوح شعورها بخطورة بقاء «الدولة الإسلامية» حيّة وما يمكن أن تصدّره الى دول المنطقة من إرهاب وإشعاعات.

– ساهمت الممارسات الفظّة لـ «دولة البغدادي» في إنضاج قرار الحرب حتى لدى الأطراف التي اعتادت على ممارسة سياسة أن الانتظار أفضل مستشار. تمزيق الحدود العراقية – السورية واقتلاع الأقليات وذبح الأجانب وصلب المعارضين كلها ممارسات تفوق قدرة دول المنطقة ومعها العالم على الاحتمال. أدرك العالم سريعاً أن عاصفة «داعش» مخيفة ومدمرة وعابرة للحدود وأن مواجهتها اليوم، على رغم أخطارها، أفضل من مواجهتها لاحقاً.

– أعاد التحالف الذي أطلق الحرب البارحة على المسرح السوري التأكيد على التوازنات الدولية. بدت الولايات المتحدة مجدداً في صورة القوة العظمى القادرة على بناء تحالف واسع. وبدت في صورة القوة العسكرية الهائلة القادرة على تنفيذ ما يعجز عنه الآخرون.

– بدت روسيا البارحة في موقف ضعيف، ليس فقط بسبب تردي علاقاتها مع أميركا وأوروبا ومعاناة اقتصادها من العقوبات الغربية بل لأن إصرارها على زعزعة استقرار أوكرانيا وتفكيكها حرمها من حق ادعاء الحرص على القانون الدولي واحترام سيادة الدول. وثمة من يعتقد أن فلاديمير بوتين الذي أحبط عملياً بيان جنيف المتعلق بسورية يتحمّل مسؤولية كبرى في الاهتراء السوري الذي مكّن «داعش» من توسيع رقعة انتشاره من الموصل إلى عمق الأراضي السورية.

– بدت إيران أضعف من منع الحرب التي وإن كانت ترمي إلى ضرب إقليم «داعش» فإنها تتضمن في الوقت نفسه جراحة داخل الإقليم الأوسع الذي كانت طهران تمسك بكامل مفاتيحه. نجحت إيران عشية الحرب في تسجيل ضربة على المسرح اليمني وسيظهر الوقت ما إذا كان الغرض منها تعزيز الأوراق للتفاوض أم الحصول باكراً على تعويض.

– حاولت سورية استباق الحرب بإبداء استعدادها للانضمام إلى التحالف ضد الإرهاب لكنها اصطدمت بقرار يقضي بعدم إعادة تأهيل نظامها. من المبكر التكهن بما ستُنجبه الغارات على الأرض السورية من أخطار وفرص. قيام إسرائيل بإسقاط الطائرة السورية أمس يستحق التوقف عنده.

– لم يكن غياب مصر عن الضربات الجوية مفاجئاً، ليس فقط بسبب ما تعيشه بل أيضاً لأن قراءتها للحل النهائي في سورية لا تتطابق مع قراءة الدول الخليجية المشاركة في التحالف.

– لتركيا حسابات معقدة في العراق وسورية خصوصاً في ما يتعلق بالأكراد. قبل إعلان كيري أنها ستشارك في المواجهة ضد المتطرّفين في سورية ضاعفت أنقرة مطالبتها بفرض منطقة عازلة داخل الأراضي السورية المحاذية لها.

لن تكون الحرب سهلة. هدير طائرات التحالف سيهزّ الإقليم. هذا النوع من الحروب لا يمكن أن تغيب عنه الخسائر في صفوف المدنيين. ثم إن الخبراء يقولون إن القوة الجوية وحدها لا يمكن أن تحسم الحروب. من سيملأ الفراغ إذا تبعثرت قوات «داعش» أو «النصرة» في هذه المنطقة أو تلك؟ وهل «الجيش الحر» جاهز خصوصاً بعد الاستقالات التي شهدها أخيراً؟ وماذا لو تقدم النظام لقطف الثمار؟.

لا شك في أن صفحة جديدة قد فُتحت في المنطقة. اشترطت واشنطن لمهاجمة «داعش» في العراق إبعاد نوري المالكي وقيام حكومة جامعة. أي اشترطت إعادة التوازن لحرمان «داعش» من الاصطياد في مشاعر الغبن لدى السنة. أغلب الظن أن الانتصار على «داعش» في سورية سيفرض التوجه نحو حل سياسي في دمشق. إننا في بداية زمن الغارات والتحوّلات.