IMLebanon

الغارات على سوريا: تل أبيب تُذكِّر بـ «حصتها»

تل ابيب تقول إنّ الغارات الأخيرة في سوريا هدفها منع حزب الله من امتلاك أسلحة متطوّرة. هذا هو الرد الكلاسيكي المعروف بعد عشرات الإعتداءات الإسرائيلية على سوريا. لماذا تجاهلت روسيا وإيران والنظام السوري الغارات الإسرائيلية، ولم نشهد أيَّ عمليات تصعيد أو تهديداً بالرد أو تحرّكاً لتوجيه رسائل من النظام السوري ضدّ إسرائيل، كما فعل مع القوات التركية في الباب أم إنّ الأولوية هي لتركيا، ومن بعدها سيصفي التحالف الثلاثي الجديد حساباته مع إسرائيل؟

من الضروري أن نقرأ أهداف الغارات الإسرائيلية هذه المرة، بعكس ما يردده الكثير من المحلّلين بعد كلّ عدوانٍ اسرائيليٍّ مماثل. لمَ لا تكون تل أبيب بعملياتها هذه هي التي تقول لواشنطن وموسكو وطهران مثلاً إنّها ترفض أية مساومات وصفقات محتملة في سوريا والعراق تتجاهل مصالحها وخطوطها الحمراء، التي ذكّرت بها دائماً في غارات مماثلة، وإنّها تريد من خلال ذلك إبلاغ موسكو تحديداً اللاعب الأقوى اليوم في الملف السوري أنّ المتفَق عليه بين الجانبين ينبغي أن يُحترم لناحية عدم المساس بالتوازنات القائمة والقواعد المتعامَل بها حتى الآن؟

هل ستتغاضى إسرائيل عن أيّة تفاهمات روسية – إيرانية في سوريا تتعارض مع مصالحها وأمنها الإقليمي؟ وهل ستتجاهل ما يناقَش حول تمركز إيراني استراتيجيّ في سوريا والعراق عبر إنشاء قواعد عسكرية، أو تمدّد إيراني عسكريّ نحو شرق البحر المتوسط، وخطط نقل وحدات من الحشد الشعبي العراقي الى سوريا تحت غطاء محاربة داعش هناك؟

ألن تسأل موسكو القيادة السياسية الإسرائيلية عن رأيها في خطط وتفاهمات روسية تركية أبعد من حلب والباب والرقة، قد تصل الى بنية منظومة تحالفات إقليمية جديدة، يتقدّمها الحديث عن تعاون استراتيجي روسي تركي في منظمة شنغهاي ومشاريع نقل الطاقة من المنطقة الى أوروبا، وخطوط ربط التجارة الشرق أوسطية بآسيا وافريقيا، في إطار خدمات تركية روسية لا تأخذ نفوذها وحصصها بعين الاعتبار؟

التحوّلات الميدانية في العراق على جبهات الموصل وتل اعفر وسنجار وبعشيقة وتقدّم النفوذ الإيراني في اتجاه حدود الكيان الكردي في الشمال ولعب ورقة الأقليات هناك،ثمّ ربط خطّ الموصل بالرقة في سوريا تحت غطاء محاربة داعش في سوريا والعراق ستقود تل ابيب حتماً لمساءلة موسكو وواشنطن المفترَض أنّهما ينسّقان معها هناك وياخذان بما تقوله بجدّية، عن أهداف إرسال الحشد الشعبي ليقاتل جنباً الى جنب مع قوات حزب الله في مناطق مهدَّدة بتحوّل ديمغرافي سكاني عرقي بنت عليه معادلاتها لعقود طويلة خصوصاً في الشق الكردي منه.

سؤالٌ آخر يحمل نفسه وسط كلّ هذا الحراك: ألن تأخذ موسكو وواشنطن حسابات إسرائيل الإقليمية بعين الاعتبار، أثناء رسم خطط التغيير والتحوّلات التي تتطلّب تفاهمات سياسية تحمل الضمانة الأمنية والاقتصادية لإسرائيل، بعدم تحوّل ذلك الى خطر يهدد إسرائيل، إذا لم نشأ التوقف عند مطلبها في اتفاقيات تفاهم وصلح ومصالحة مع البنية السياسية الجديدة في البلدين؟

تساؤل آخر لا بدّ منه ايضاً: هل ما يجرى سبقته ضمانات قُدِمت لإسرائيل بفتح صفحة جديدة من العلاقات مع صنّاع القرار الجدد في المنطقة ويكون خطوة على طريق المصالحة والتطبيع بين إيران وإسرائيل مثلاً؟ هل تعد واشنطن وموسكو لأفكار من هذا النوع في الحقبة المقبلة تفتح الطريق أمام نقاشات السلم الإقليمي، أم إنّ العكس هو المطلوب روسياً وأميركياً فتح الطريق أمام التمدد الإيراني لتوتير الاجواء في المنطقة وابقائها فوق بركان من الازمات والصراعات؟

إيران قبلت إطلاق يد روسيا في الملف السوري طالما أنّه يراعي نفوذها وتواجدها وعلاقاتها بالنظام، اسرائيل ايضاً ترى في هذا التفاهم خدمة لمصالحها الإقليمية، طالما أنّ موسكو قدّمت الضمانات الكافية لها بعدم تسليم الملف السوري لايران كما فعلت أميركا في العراق، وطالما أنّ بوتين ردّد أكثر من مرة أنه دخل سوريا متحمّلاً كلّ هذه الاعباء ليس من اجل مغادرتها في إطار حرب النفوذ الإقليمي، وأنّ سوريا الجديدة التي تعد لها روسيا ستأخذ بعين الاعتبار مسألة إنهاء الصراع مع إسرائيل. فمَن سيحسم الموقف لمصلحته في حرب النفوذ الروسي الإيراني هناك؟

أم إنّ تفاهمات إقليمية جديدة هي التي ستسود في اطار الخطة الروسية التي حوّلت إسرائيل الى متفرّجة في أكثر الأحيان ومتدخّلة عند الضرورة لإعادة الامور الى نصابها، عندما تشعر بالخروج عن قواعد اللعبة المتّفق عليها؟

إحتمالاتٌ كثيرة تواكب هذا الحراك الإقليمي الواسع بينها رفض إسرائيل لأيّ خطة روسية أميركية في إطلاق يد إيران على هذا النحو في سوريا، أو تحرّك في اتجاه تنسيق إسرائيلي – تركي إقليمي جديد للرد على الانتشار والنفوذ الإيراني المتزايد في سوريا والعراق، أو أنّ الغزل المعلن بين الرئيس الروسي فلادمير بوتين والساكن الجديد للبيت الابيض دونالد ترامب قد يأخذ بعين الاعتبار ضرورة إبقاء التوازنات الإقليمية على حالها وعدم المساس بها، وتذكير إيران بضرورة احترام ذلك، خصوصاً وأنّ ترامب قال إنّ ادارته الجديدة لن تذهب وراء خطط إسقاط الحكومات والأنظمة بعد الآن في المنطقة؟

بين أهداف حكومة العدالة والتنمية من خلال المصالحة مع إسرائيل وقرار تبادل السفراء ودفن الماضي في قعر المياه الدولية للمتوسط خصوصاً بعدما طلب الإدّعاء العام التركي إغلاق ملف حادثة أسطول الحرّية، التصدّي لأيّ مخطط إقليمي يطال مصالح تركيا ونفوذها هي الأخرى.

من المحتمل أيضاً أن تكون حسابات انقرة وتل أبيب تلتقي في سوريا تحسّباً لأية كوابيس روسية إيرانية، وأن تكون تركيا تحديداً سارعت عبر التطبيع مع إسرائيل لقطع الطريق على أية محاولات إغراء تقدّم لتل أبيب بهدف عزل أنقرة إقليمياً.