«إذا غضب الله على قوم بدّل شتاءهم صيفاً وصيفهم شتاءً».
ينسب بعضهم هذا الكلام الى الأحاديث النبوية الشريفة. إلاّ أنّ علماء الدين ينفون هذه النسبة. والذين طُرح عليهم السؤال حول صحة الحديث أجمعوا على الجواب الآتي: «… وأمّا بعد، فلم نجد هذا الحديث بعد البحث في كتب الحديث المتوافرة لدينا، والظاهر أنه ليس بحديث (نبوي) بل هو من كلام الناس والله أعلم».
ونود أن نتبنّى ما يجمع عليه العلماء… وقد ساقنا الى الكلام أعلاه زخّات المطر الغزيرة التي انهمرت فوق مناطق لبنانية أمس وبالذات فوق محافظتي الشمال وعكار. والمصادفة هي هطول المطر تزامناً مع جلسات مناقشة مواد الموازنة العامّة في مجلس النواب في مماحكات استعراضية ليؤذن لنا أن نزعم أن أكثر ما غلب عليها كان الطابع الاستعراضي، والتوجه (مباشرة ومداورة) الى الرأي العام الذي كان بعضه يعتصم في محيط ساحة النجمة.
وفي تقديرنا أن المطر خيرٌ، وأن جوف الأرض يحتاج الى تغذية مستدامة من المياه تملأ البحيرات، عميقة الأغوار التي يقوم فوقها هذا الوطن الذي يمتاز عن الجوار كله بأنه عائم فوق كميات هائلة من مياه الشرب، وهذه تتغذى بالأمطار وخصوصاً بذوبان الثلوج الذي يجد طريقه وسط مسارب في باطن الأرض تؤمّن له أن يصب في خزانات المياه العملاقة التي تشكل تلك البحيرات التي يعوم فوقها لبنان.
ونحن من الذين يعشقون المطر ويرون فيه الخير.
فهو، في رأينا، قريب المزايا من ليل جبران خليل جبران «ليل العشاق والشعراء والمجانين» وهو ما نستشعره في المطر، ولا تفوتنا محبّة الشاعر الفتى طرفة بن العبد الذي كان يؤثر وصال الحبيبة «تحت الخباء المحنبل» في مضرب الخيمة تحت المطر.
والمطر أثار لدى كبار الأدباء والشعراء مشاعر تراوح بين الحزن والزهو… ولكن، دائماً إثارة النوستالجيا…
جلال الدين الرومي شبه الألم الخلاق بالمطر باعث الخصب. وفي بيت شعر شهير يقول: «لا تُشرق الروح إلا من دجى المٍ/ هل تزهر الأرض إلاّ إنّ بكى المطر»؟!
عبد الرحمن منيف يقول: «إذا سقط المطر يتملكني حنين لا يوصف لأن أبكي».
بابلو نيرادا يقول: «هل من أمرٍ أشد حزناً من قطار يقف تحت المطر»؟
وأنا من الذين يحبون المطر ولا يعنيهم البرق خصوصاً «الخُـلّب» الذي لا يعقبه مطر. وفي هذا السياق أردد ما قال مارك توين: أولئك الذين هم مع الحرية وضد التحريض هم الناس الذين يريدون المطر لا الرعد».
وعنا لأمر أهل السياسة الذين يرعدون و… لا يمطرون!