شبّه مرجع سياسي جولات الحوار التي دعا اليها الرئيس نبيه بري لثلاثة أيام متعاقبة بجلستين يوميا بالعروض السينمائية التي يتوزع توقيتها بين عرض نهاري للهواة والاولاد وآخر مسائي للكبار من دون ان يخفي خشيته من ان تكون هناك مبالغة في ذلك انطلاقا من انه اذا كانت طاولة الحوار ترمي الى ابقاء نار خفيفة للطبخة اللبنانية في انتظار ملاقاة نضوج التوافقات الخارجية فيخشى ان يكون تحديد ثلاثة أيام بمثابة رفع مستوى للنار تحت الطبخة من دون نتيجة. اذ ينقل المرجع عن مرجعية عربية رفيعة المستوى انه يجب عدم توقع أي تطور ايجابي على صعيد الاستحقاقات اللبنانية قبل السنة الجديدة على الاقل. اذ من جهة ستنصب الجهود الاقليمية والدولية على محاولة التوصل الى حلول للمسائل الشائكة في المنطقة ومن بينها الحرب الاهلية في سوريا قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية في اوائل شهر تشرين الثاني 2016 انطلاقا من ان دولا عدة تفضل التعاطي مع الادارة الحالية على قاعدة مجموعة القواعد التي تتمسك بها في المنطقة ومنها استمرار الانكفاء عن الانخراط فعليا في قضايا باعتبار ان الانتخابات ستأتي برئيس من غير المستبعد ان يكون ضد سياسة أوباما كليا في المنطقة كما عمل هو على ان يكون ضد سلفه جورج دبليو بوش. وتاليا فانه من المحتم ان يندرج لبنان في هذا السياق ما دام مسؤولوه استقالوا من ارادة محاولة تغيير هذا الواقع والسعي الى حل المسائل اللبنانية من الداخل. ومن جهة أخرى لا مؤشرات ايجابية على الاطلاق في اتجاه تواصل إيراني سعودي يمكن ان يلحظ لبنان من ضمن روزنامته في حال حصوله على رغم صعوبته الجمة راهنا. ويؤكد المرجع المعني ان ثمة تباعدا في اولويات اللقاء الإيراني السعودي واحتمالاته في الدرجة الاولى حيث تتطلع إيران بقوة الى لقاء مع السعودية على قاعدة رغبتها في ان تكون اجتماعات على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي الست مع إيران أي 6 زائد واحد في حين ان المملكة العربية السعودية مصرة على مشاركة الولايات المتحدة ودول اوروبية معنية أيضاً في مسائل المنطقة باعتبار ان هذه المسائل ليست محصورة بالدول العربية وإيران وحدها. اما اذا حصلت تطورات تفضي الى امكان عقد اللقاء بين الجانبين فانه من الصعوبة تصور ان يكون لبنان من بين بنود البحث في ظل مواضيع شائكة كاليمن مثلا وامن الخليج مع ما لهذا الموضوع من اهمية بالغة بالنسبة الى الدول العربية وسوريا قبل الوصول الى لبنان. ويناقض المرجع نفسه الرأي القائل بان مشكلة لبنان المتمثلة اولا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية سهلة قياسا على المسائل المعقدة في الجوار بحيث لا تحتاج الى جهد كبير. هذا لا ينفي ان ما يواجهه لبنان اقل تعقيدا من الحرب الدائرة في دول الجوار الا ان ثمة شكوكا كبيرة بان يختصر ما يمر فيه بتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية فحسب.
فقياسا على مصالح الدول الاقليمية وامتداداتها في لبنان، سيكون صعبا الاعتقاد ان الازمة الراهنة ستتوقف على الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية. والجدل على طاولة الحوار يلامس من حيث الشكل والجوهر بعض ما يواجهه الوضع الداخلي. اذ لا بد ان يثار استمرار تعطيل الحكومة في مقابل الجلوس الى طاولة الحوار برئاسة بري اكان ذلك في عين التينة أو في مجلس النواب حيث تلامس النقاشات محاولة ايجاد حلول لبعض المسائل كموضوع النفايات مثلا في حين ان هذا الموضوع يعود الى مجلس الوزراء. ورفض استئناف الحكومة اعمالها في مقابل القبول بطاولة الحوار لا بد ان يثير هواجس عن محاولة قضم صلاحيات رئاسة مجلس الوزراء مثلا. فاذا كان اتفاق الطائف المظلة التي لا بد من استمرارها ولا قدرة على تغييرها لاعتبارات مختلفة قد يكون ابرزها انه قاعدة سيعمل بها في سوريا وسواها على طريق مشاركة جميع مكونات الدول المعنية في السلطة، فان ثمة أعرافا يمكن إرساؤها كما تغييرات جانبية على غرار الثلث المعطل الذي فرضه “حزب الله” على الحكومات ما بعد اتفاق الدوحة. وبحسب المصدر نفسه، فإنه من غير المتوقع عدم بحث “حزب الله” وإيران في تغييرات جوهرية على قاعدة التحولات في سوريا بحيث ان التمسك بمرشح وحيد للرئاسة انما هو تعبير عن أثمان مماثلة اما لشخص كالرئيس إميل لحود الذي اعطى الحزب اكثر مما كان يطمح اليه أو الى مكاسب سيسعى اليها عبر ما تسمح به تفسيرات مختلفة لاتفاق الطائف من خلال قانون انتخاب على قاعدة النسبية مثلا والذي يطمح الحزب من خلاله الى تثبيت نفسه مع قوة سلاحه في مقابل إضعاف الآخريـن أو من خلال اللامركزية الموسعة التي تعني شبه ادارات ذاتية تعطي صلاحيات واسعة للبلديات وما شابه أو أيضاً عبر الغاء الطائفية السياسية على غرار ما تطرق اليه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد في احدى الجلسات الأخيرة للحوار حين كان يعلن زعماء قوى 14 آذار ضرورة التمسك بسقف الدستور فكان الرد ان العمل بالدستور يشمل كل بنوده.
ولذلك فان الجدل سيطول على طاولة الحوار حول ما اذا كانت انتخابات الرئاسة ستجرى أولا أو ينبغي الذهاب الى الاتفاق على قانون للانتخابات النيابية في الوقت الضائع. ومجدداً سيكون البحث صعباً ايهما يأتي أولا: الدجاجة أم البيضة.