Site icon IMLebanon

رفع الفائدة على الدولار سيضرب سوق النفط

 

في مواجهة معدّلات نمو تفوق الـ 4% ونسبة بطالة 3.9%، أعلن أعضاء المجلس الإحتياطي الفدرالي الأميركي عن نية المصرف المركزي الإستمرار في رفع الفوائد على الدولار الأميركي للمرة الرابعة هذا العام. هذا الإجراء الذي يدخل ضمن السياسة النقدية التقليدية للإحتياطي الفدرالي ستكون له عواقب كبيرة على الإقتصادات العالمية وخصوصًا سوق النفط.

 

أظهر محضر أعضاء المجلس الإحتياطي الفدرالي الأخير أن هناك توافقا بين الأعضاء على الإستمرار في رفع الفائدة على الدولار الأميركي. هذا الواقع فرضته أرقام الإقتصاد الأميركي التي تُظهر تحسنًا ملحوظًا وإرتفاعا مُستمرًا للناتج المحلّي الإجمالي مع نسبة نمو تفوق الـ 4%.

 

والمعروف أن الإحتياطي الفدرالي يرفع فوائده بشكل تلقائي بعد مرور أربعة فصول متتالية تنخفض فيها البطالة، والتي إنخفضت إلى ما دون الـ 3.9%، مُنذرة بضغوطات تضخّمية في حال بقيت أسعار الفائدة على حالها. وتُشير أرقام الـ DXY (مؤشر الدولار الأميركي) إلى أن هذا المؤشر أخذ في الإرتفاع مُجددًا من 93.96 نقطة إلى 95.66 نقطة حاليًا بعد الإنخفاض الذي شهده في 26 أيلول الماضي أثر رفع الفائدة.

 

وتُشير التوقعات إلى أن الإحتياطي الفدرالي يتوجّه إلى رفع الفائدة على الدولار في إجتماعه المُقبل كانون الأول 2018 إلى 2.25-2.5%. هذه الزيادة في سعر الفائدة ستكون لها تداعيات داخل السوق الأميركي ولكن أيضًا على الصعيد العالمي.

 

التداعيات الداخلية

 

نظريًا، إرتفاع الفائدة يلجم النشاط الإقتصادي نظرًا إلى أن الإقتصاد الأميركي يتموّل بشكل رئيسي من الأسواق المالية على عكس الإقتصاد اللبناني الذي يتموّل من المصارف اللبنانية (الإقتصادات المُتطوّرة مقارنة بالإقتصادات في طور النمو).

 

وتُشير بعض النماذج الإقتصادية إلى أن رفع الفائدة سيكلّف الإقتصاد الأميركي نسبة نمو مُهمّة تتراوح قيمتها بحسب السيناريو المأخوذ بالإعتبار.

 

على هذا الصعيد، يُعتبر السوق العقاري من أوائل القطاعات المُتضرّرة في الولايات المُتحدة الأميركية نتيجة رفع الفائدة. فقد شهدت الأشهر الماضية تراجعًا في هذا القطاع نتيجة رفع الفائدة على القروض العقارية (تقارب الـ 5% حاليًا).

 

وهذا الأمر جعل الفارق بين الفائدة في هذا القطاع والفائدة على سندات الخزينة يرتفع كثيرًا إلى حد أن 31% من الأشخاص الذي تمّ سؤالهم عن رغبتهم في شراء منزل أجابوا بـ «كلا» مقارنة بـ 22% في العام السابق.

 

وتنصّ التحاليل على أنه لا يوجد فقاعة كما في العام 2007 نظرًا إلى الأسعار المُنخفضة نسبة إلى العام 2007. وبالتالي فإن ما سيشهده هذا القطاع في العام 2019 هو تراجع ستكون نسبته مُتعلّقة بنسبة الفائدة على القروض العقارية مما يطرح فكرة وقف الإحتياطي الفدرالي لرفع الفائدة في العام 2019 لتقييم جدّي للواقع الإقتصادي والمالي والنقدي بعد سلسلة الإرتفاعات في العام 2018.

 

أيضًا تأتي الحرب التجارية والسياسة الحمائية التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتزيد من الغموض على التداعيات الإقتصادية لرفع الفائدة على الدولار الأميركي. فإرتفاع الدولار مقابل العملات الأجنبية مع رفع الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة من أميركا من قبل بعض الدول قد يلجم الصادرات الأميركية بشكل ملحوظ ويجعل الولايات المُتحدة الأميركية تخسر قسم من أسواقها العالمية.

 

في ظل هذا الإطار المُعقّد، يظهر أن عدم رفع الفائدة على الدولار سيزيد من نسبة التضخم بحكم أن الرسوم على البضائع الأجنبية المُستوردة ستزيد من الأسعار، وبالتالي ستكون هناك ضغوطات تضخمية على الدولار الأميركي مما سيأكل من النمو المُحقّق.

 

لكن لماذا يمتعض الرئيس الأميركي ترامب من سياسة الإحتياطي الفدرالي؟ السبب سياسي قبل كل شيء، فإنتخابات نصف ولايته تدفعه إلى الخوف من تراجع في الإقتصاد الأميركي قد يؤثّر في نتيجة الإنتخابات وهو الذي يفتخر كل الوقت بنتيجة ما قام به في الإقتصاد وسوق العمل.

 

وإذا كان كل الرؤساء الذي سبقوه قد حاولوا الضغط على الإحتياطي الفدرالي إلا أن كلمات ترامب في الإعلام عن «جنون» المسؤولين في المصرف المركزي يجعل من هذا الإنتقاد ممارسة فاضحة للتدخّل والتأثير على السياسة النقدية وهذا الأمر ترفضه الأسواق وبالتالي، لن يكون لإنتقادات ترامب أي تداعيات على عمل الإحتياطي الفدرالي.

 

التداعيات الخارجية

 

تتمثّل التداعيات المباشرة لرفع الفائدة على الدولار في الدول الأخرى في رفع الكلفة على الإقتصاد على مستويين: الأول كلفة الإقتراض التي تأتي من الأسواق الأميركية، وثانيًا رفع كلفة النفط المُستورد بحكم أن النفط مقوّم بالدولار الأميركي.

 

لكن التداعيات السلبية لا تقف عند هذا الحدّ، فإرتفاع الفائدة في الولايات المُتحدة الأميركية سيدفع رؤوس الأموال إلى الهجرة من الدول الصاعدة والدول في طور النمو إلى أميركا وهذا الأمر سيؤثر سلبًا على الإستثمارات في هذه الدول. ومن بين هذه الدول يُمكن ذكر الصين، روسيا، الدولّ المُنتجة للنفط، الدول التي تربط عملتها بالدولار الأميركي ولكن أيضًا دولًا متطوّرة مثل الإتحاد الأوروبي واليابان وغيرها.

 

لكن الأهم في الأمر التداعيات في سوق النفط، حيث من المتوقّع أن يشهد هذا السوق تقلبات نتيجة فقدان التوازن بين العرض والطلب. فإرتفاع سعر الدولار مقابل العملات الأخرى سيزيد من كلفة النفط مما يُقلّل الطلب في وقت تزيد بعض الدول من إنتاجها.

 

في المقابل لا نعرف مدى تداعيات فرض عقوبات على إيران من قبل الولايات المُتحدة الأميركية والتي ستبدأ في 4 تشرين الثاني القادم والتي تُقدّر بأقصى حدّ بـ 2 مليون برميل يوميًا. هذا الغموض سيزيد من المضاربات في الأسواق المالية والتي سترفع من الـ volatility على أسعار النفط والتي قد تُحرّك النفط في هامش 60 إلى 100 د.أ. نعم هذا الهامش قد يكون كارثيا على الإقتصاد العالمي وحتى على الإقتصاد الأميركي حيث أن إرتفاع البرميل إلى 100 د.أ لبرميل النفط الواحد قد يقضي على نمو الإقتصاد الأميركي ويؤدّي إلى ركود من جديد.

 

على الصعيد اللبناني فإن رفع الفائدة على الدولار الأميركي سيزيد من الضغط على أسعار الفوائد في لبنان. إلا أن تنفيذ مشاريع سيدر 1 وما قدّ ينتج عنها من نمو إقتصادي كفيل بإمتصاص الإرتفاع في الفائدة التي ستكون مُضرّة للمالية العامّة بالدرجة الأولى (إذ لم يتم القيام بمشاريع سيدر 1) وسيزيد حكمًا من خدمة الدين العام وبالتالي عجز المالية العامّة.

 

إلا أن السيناريوهات التي قمنا بها تُظهر أن مُستوى الفائدة في لبنان ما زال جاذبًا للمستثمرين مما يعني أنه في حالة لبنان لن نشهد هروبا لرؤوس الأموال لا بل على العكس، هناك قسم من الأموال المُستثمرة في الدول الإقليمية ستشق طريقها إلى لبنان حيث ستُؤدّي إلى تخفيف عجز الميزان التجاري.

 

من هذا المُنطلق، نرى أن أمام السلطة السياسية نافذة للإستفادة من هذه الأموال من خلال تحفيز الإستثمارات في الماكينة الإقتصادية اللبنانية والتي قد تأتي بعائدات تفوق ما تعرضه المصارف اللبنانية خصوصًا في بعض القطاعات كالقطاع الرقمي والذي قد تفوق عائداته الـ 20%.