IMLebanon

رفع أسعار الفوائد… ما لهُ وما عليه

 

مع التوجّه العالمي لرفع أسعار الفوائد، يُطرح السؤال عن أسعار الفائدة في لبنان في ظل شبه ركود إقتصادي ناتج عن غياب القرارات الإقتصادية. تشير التحاليل الى أن رفع أسعار الفائدة في لبنان لن يؤثرّ سلبيًا على الإستثمار، بل على العكس، قد يكون مُحرّكا للإستثمارات إذا ما إستطاعت السلطة السياسية إتخاذ الإجراءات المناسبة.

الفائدة أو سعر الفائدة عبارة عن مبلغ من المال يدفعه المُقترض إلى صاحب رأس المال لقاء تخلّي هذا الأخير عن رأس المال لمدّة محدودة في الزمن. وبالتالي هناك علاقة أساسية بين فترة القرض وسعر الفائدة إذ، وفي ظلّ إقتصاد طبيعي، تزداد اسعار الفائدة مع إزدياد الفترة الزمنية لهذا القرض.

حاول المؤرخون معرفة تاريخ نشأة الفائدة، إلا أنهم فشلوا بحكم أن الفائدة تعود إلى أول النصوص التاريخية حتى ولو لم تكن في شكلها الحالي. كما حاول الباحثون الإقتصاديون معرفة تبرير وجود الفائدة إلا أنهم فشلوا أيضًا لكن الجواب كان عند علماء النفس إذ أثبت هؤلاء أن الإنسان وبحكم عدم معرفته ساعة موته، يعمد إلى إستهلاك ملذات العالم الدنيوي وبالتالي لإقناعه بتأجيل هذا الإستهلاك يتمّ دفع الفائدة.

من هذا المُنطلق، يُعرّف النيوكلاسيكيون الفائدة على أنها المبلغ الواجب دفعه لقاء إمنتاع صاحب رأس المال عن الإستهلاك خلال فترة مُعينة، وبالتالي فإن الفائدة هي ثمن الإنتظار. أمّا الكينزيون فيُعرّفون الفائدة على أنها ثمن السيولة أي ثمن الإستحصال الآني على رأس المال.

الفائدة هي عنصر أساسي في الإقتصاد، لا بل يُمكن القول أن الإقتصاد مبني على الفائدة إذ لا يوجد أي تبرير لأي إستثمار مالي أو إقتصادي دون أن يكون محوره سعر الفائدة. فسعر فائدة مُنخفض يُشجّع المُستثمر والمُستهلك على إقتراض الأموال وبالتالي رفع الناتج المحلّي الإجمالي في حين أن العكس يؤدّي إلى إنخفاض النشاط الإقتصادي.

تُقسّم الأسواق المالية الفائدة إلى ثلاثة أقسام بحسب مدّة القرض: الأمد القصير (أقلّ من سنتين)، المدى المُتوسّط (ما بين سنتين و خمس سنوات)، والمدى البعيد (أكثر من خمس سنوات).

وإذا كانت الفائدة على الأمد القصير هي من إختصاص المصرف المركزي عبر سعر الفائدة الأساسي الذي يُحدّده لإقراض (أو الإستقراض من) المصارف التجارية، إلا أن سعر الفائدة على المدى المتوسّط والبعيد يحدّدها السوق كنتيجة للوضع الإقتصادي العام.

في الإقتصادات الحرّة، سعر الفائدة هو عرضة للعرض والطلب على الأموال. لكن هذا العرض والطلب يتأثر بعدّة عوامل منها: التضخّم، سعر صرف العملة، المخاطر التي تحفّ بالمُقترض، الوضع الإقتصادي العام، البطالة، أسعار المواد الأولية، أسعار العقارات، وثقة المُستهلك.

تبقى العوامل الثلاثة الأولى أي التضخّم، سعر صرف العملة، والمخاطر هي الأكثر تأثيرًا في تحديد سعر الفائدة على المدى القصير في السوق. من هذا المُنطلق يأتي دور المصرف المركزي الذي تنصّ مهامه على المُحافظة على العملة الوطنية حيث تُشكّل الفائدة أحد أهم عوامل المحافظة عليها.

مصاعب المركزي

تبقى المحافظة على قيمة العملة الوطنية هي المُهمّة الأولى للمصرف المركزي الذي يستخدمّ عدّة أدوات أساسية لهذه المُهمّة: تثبيت سعر الفائدة الأساسي (discount rate)، تثبيت قيمة الإحتياطات الإلزامية (Obligatory Reserves)، عمليات الـ Open Market، التدخّل في أسواق القطع، إدارة الإحتياط من الذهب والعملات الأجنبية، والهندسات المالية.

ويظهر مما سبق أن تحديد سعر الفائدة هو أمر مُعقّد على المصرف المركزي الذي يتوجّب عليه الأخذ بالإعتبار مؤشرات نقدية، مالية، وإقتصادية والإعتماد على نماذج حسابية (macro-econometrics) لتحديد الفائدة التي تُحقّق عدّة أمور في نفس الوقت:

أولًا: ثبات العملة الوطنية: فرفع الفائدة يزيد من قيمة العملة الوطنية في حين أن إنخفاض الفائدة يُقلّل من قيمة العملة الوطنية. وفي ظل نظام سعر صرف ثابت (داخل هامش)، رفع الفائدة يُقلّل الضغط على الإحتياطي من العملات الأجنبية في حين أن العكس يزيد من الضغط عليه.

ثانيًا: ثبات الأسعار والمُتمثّل بالتضخمّ حيث أن رفع الفائدة يُقلّل من التضخّم لكنه في نفس الوقت يقلّل من الإستثمار ويضرب النمو الإقتصادي في حين أن خفض الفائدة يزيد من التضخم ويحفّز النمو الإقتصادي. من هنا أهمية إيجاد سعر الفائدة المُناسب.

ثالثًا: خفض سعر الفائدة يؤثّر إيجابًا على النمو الإقتصادي من خلال زيادة القروض خصوصًا الإستثمارية منها والتي تنعكس نموًا بشكل خطّي (Linearly) على هذا النمو.

رابعًا: زيادة فرص العمل أو تخفيض البطالة وذلك من خلال زيادة الإستثمارات التي تؤدّي حتمًا إلى زيادة القدرة الإنتاجية ومعها اليد العاملة. وبحسب النظرية الإقتصادية، فإن إرتفاع سعر الفائدة يزيد من البطالة والعكس بالعكس.

مما سبق، نرى أن هناك معوقات كبيرة في تحديد سعر الفائدة والتي يصعب أحيانًا تحديدها من خلال النماذج الحسابية نظرًا الى العوامل التي تؤثر فيها، والعلاقة بين العوامل المؤثرة نفسها. إذا كيف لمصرف لبنان أن يتصرف حيال هذا الأمر؟

توازن الأسواق

لا يُخفى على أحد مدى تأثر الإقتصاد اللبناني نتيجة التخبّط السياسي والذي يدوم منذ أكثر من عقدين. لكن الأزمة السياسية الحالية قد تأخذ أبعادًا كبيرة مع تضييق الخناق العربي والدولي على لبنان يُساعد في ذلك إرتباطات الأفرقاء السياسين بالخارج.

لذا وعلى الرغم من تريّث الرئيس الحريري في إستقالته ما زالت المخاطر الكبيرة تحفّ بالإقتصاد اللبناني وماليته العامّة نتيجة غياب القرارات الإقتصادية والمالية. وبالتالي، فإن الإستمرار على هذا النهج سيدفع إلى تعقيدات مالية كبيرة على صعيد الدولة قد تفرض تدخل مصرف لبنان بشكل أكبر لإنقاذ مالية الدوّلة.

من المعروف أن سياسة الثبات النقدي المُعتمدة من مصرف لبنان كان لها تأثير إيجابي على المواطن اللبناني وعلى الإقتصاد حيث حافظ اللاعبون الإقتصاديون (أُسر وشركات) على قيمة ممتلكاتهم على الرغم من التخبط السياسي والأمني الذي عصف بالبلاد منذ نهاية الحرب الأهلية وحتى يومنا هذا. وسياسة الثبات النقدي المُعتمدة من قبل مصرف لبنان لها ركيزتان أساسيتين هما ثبات سعر صرف الليرة اللبنانية وثبات أسعار الفائدة.

لا يسمح ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي بإستقلالية السياسة النقدية في ما يخصّ الفائدة، وذلك بحسب مثلث عدم التوافق والذي ينصّ على أنه في بلد مُعين لا يُمكن الإستحصال على ثلاثة أمور في نفس الوقت: سعر صرف عملة ثابت، حرية تنقل رؤوس الأموال وسياسة نقدية مُستقلّة. وبما أن لبنان يتمتّع بثبات سعر صرف عملة وحرية تنقلّ رؤوس الأموال، لذا فإنه لا يتمتّع بسياسة نقدية مُستقلّة تجاه الفائدة.

وبما أن الإتجاه العالمي هو لرفع الفوائد بعد مضي أكثر من عشر سنوات (منذ الأزمة المالية العالمية) على أسعار فائدة مُنخفضة، بحكم أن هناك تحسن للإقتصاد العالمي خصوصًا الأميركي، لذا نرى أن المصرف المركزي مُلزم برفع سعر الفائدة الأساسي وذلك حفاظًا على التوازن المالي تحت طائلة إستنزاف الإحتياطي من العملات الأجنبية.

لكن السؤال هل سيكبح رفع الفائدة النمو الإقتصادي؟

بعد مرور أكثر من سبع سنوات من سحب الخليجيين لإستثماراتهم في لبنان، وعلى الرغم من سعر فائدة مُنخفض، لم تتحسّن الإستثمارات في لبنان حيث نرى أن اللبناني يستثمر خارج لبنان أكثر من إستثماره داخل لبنان كما تُظهره البيانات التاريخية.

لذا، ومع رفع الفائدة من المُتوقّع أن يزيد تدفق رؤوس الأموال إلى لبنان وبالتالي سيكون هناك فرصة إقتصادية أكبر في حال تمّ القيام بإصلاحات إقتصادية مؤاتية لعائدات إستثمار أعلى مما يحصده المُستثمر اللبناني في الخارج. كما أن الشركات العالمية ستكون مُتحمّسة أكثر إلى الإستثمار في لبنان.

أيضًا لرفع الفوائد على الليرة اللبنانية تداعيات إيجابية في لجم المخاوف لدى المواطن اللبناني حول وضع ليرته اللبنانية بعد الخضّات السياسية المُتتالية. الجدير بالذكر أنه لا يوجد أي سبب تقني يُنذر بوجود مخاطر على الليرة اللبنانية مع إحتياطي يفوق الـ 44 مليار دولار أميركي من العملات الأجنبية.

لذا، ومما تقدّم نرى أن على الحكومة وقف النزف الإقتصادي وفصل السياسة عن الإقتصاد، كما والقيام بإجراءات ضرورية تواكب رفع الفائدة حتى لا يتحوّل لبنان إلى يونان ثان بسبب تراجع المداخيل الناتجة عن تراجع النشاط الإقتصادي لأن هامش تحرّك الدولة أصبح أضيق من السابق.