IMLebanon

رفع سنّ التقاعد للعسكريين مؤجلٌ

تنتظر البلاد في وقت قريب سلسلة جديدة وطويلة من «تأجيل التسريح». خلافاً لرئيس الجمهورية الذي صار الى تسريحه بعد انتهاء الولاية، فإن كل عداه، مؤسسات ورجالاً، لا يصلح للتسريح بل لتأجيله الى امد طويل بدوره

منذ احالته على الامانة العامة لمجلس الوزراء قبل اسبوعين، لا يزال مشروع قانون نظام سن التقاعد من الخدمة في الاسلاك العسكرية معلقاً. لا عجلة لاقراره في مجلس الوزراء، وليس برسم ادراجه في جدول اعماله قريبا تحت وطأة تناقض المواقف منه. لا استعجال له من قيادة الجيش، المستفيد الأول، في ظل رغبة العماد جان قهوجي التريث في اقراره. كذلك مجلس النواب لا يسعه الخوض فيه قبل فتح عقد استثنائي منذ مطلع الشهر الفائت. بيد ان لا اشارات ايجابية الى عبوره من السرايا الى ساحة النجمة كي تباشر اللجان النيابية على الاقل درسه. ما خلا الوقت، لا احد محرجاً بمشروع القانون كي يخوض معركة ابصاره النور.

اواخر هذا الشهر يحال عضو المجلس العسكري الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير على التقاعد، فيخلو المقعد الرابع في المجلس. ومن دون ارتباط وثيق ومباشر، يحال المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص بدوره في ايار المقبل على التقاعد. لكل من هذين المنصبين احكام مختلفة. الا انهما اضحيا في صلب رزمة الشغورين العسكري والامني منذ قرابة سنتين بعد خلو ثلاثة مقاعد، شيعي وارثوذكسي وكاثوليكي، في المجلس العسكري، ومن ثم تأجيل تسريح قهوجي حتى ايلول 2015 بتدبير اداري مناقض لتعيينه بثلثي مجلس الوزراء، وكذلك رئيس الاركان اللواء وليد سلمان الذي ينتهي تأجيل تسريحه في آب المقبل. قبلهما ينتهي تأجيل تسريح مدير المخابرات العميد ادمون فاضل في نيسان. هكذا تبدو الأسلاك العسكرية والأمنية في حال غير مسبوقة، ترقص على حبال الشغور. يختلط القانوني فيها بالسياسي.

يعارض المستقبل

بقاء بصبوص ويرشح عثمان لخلافته

ومع ان من باب لزوم ما لا يلزم القول ان تأجيلا ثانيا لتسريح قهوجي وسلمان سيحصل ما لم يُنتخب رئيس للجمهورية حتى آب المقبل، وكذلك الأمر لمدير المخابرات. الا ان المشكلة الوشيكة تكمن في تعيين خلفين لخير وبصبوص، ما دام من الصعوبة بمكان توقع اقرار رفع سن التقاعد خلال هذا الشهر او الشهر المقبل على الاقل. يميل رئيس الحكومة تمام سلام الى ابقاء خير في منصبه بتأجيل تسريحه، عملا بسابقة قهوجي وسلمان تبعا للمادة 55 من قانون الدفاع الوطني، بقرار من وزير الدفاع في حالات الحرب او اعلان حال الطوارىء او في اثناء تكليف الجيش المحافظة على الامن. وكانت سابقة قائد الجيش ورئيس الاركان بُنيت وفق الحال الثالثة.

ومع ان رأياً معاكساً يقول بعدم انطباق الوضع الوظيفي الحالي لخير كونه الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع، فيبدو خارج الجيش، الا ان المادة 29 من قانون الدفاع تستدرك هذا الرأي بتعريفها العسكريين المتطوعين في الخدمة، وهي حال خير بصفته متطوّعاً في الجيش مفصولاً إلى منصب آخر، غير أنه لا يزال يلبس البزة. ما يُرجّح تأجيل تسريحه مدة مشابهة للضباط الكبار الآخرين الى ما بعد انتخاب الرئيس. وهو ما يتوخاه سلام في مرحلة موقتة، في ظل تعذر تحقيق توافق في مجلس الوزراء على اعادة تكوين المجلس العسكري بدءا بتعيين قائد جديد للجيش.

لا تقل المشكلة الناجمة عن تقاعد بصبوص عبئاً. يعارض أفرقاء في تيار المستقبل استمراره في منصبه، ويرشحون لخلافته رئيس شعبة المعلومات العميد عماد عثمان الذي يقتضي تعيينه اطاحة عشرات الضباط يتقدمونه رتبة، واحالتهم على التقاعد او وضعهم في التصرّف.

على ان الذهاب بعثمان الى مجلس الوزراء بغية تعيينه يصطدم بعقبة كأداء ما دام التعيين يتطلب ثلثي الأعضاء، هي مدى استعداد وزراء المستقبل لإبرام مقايضة مكلفة بالنسبة اليهم مع الرئيس ميشال عون: عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي في مقابل العميد شامل روكز قائداً للجيش. علماً أن المنصبين غير متوازيين سوى بالصفة. كلاهما ضابط قائد برتبة مدير عام. على ان دور قائد الجيش، في صلب المعادلتين السياسية والأمنية، ليس كذلك. بل الأصح في مقاربة موقعه على مرّ عقود من تجربة علاقة المؤسسة العسكرية بالمؤسسات السياسية، أن قائد الجيش أكبر من موظف وأصغر من رئيس. ولأنه كذلك، يُنظر باستمرار الى شاغل المنصب على أنه مرشح طبيعي ومحتمل، وربما دائم لرئاسة الجمهورية، في معزل عن استحقاقه الوصول اليها.

واقع الأمر أن وجود اللواء أشرف ريفي على رأس المديرية العامة للامن العام بين عامي 2005 و2013، منح المنصب حجماً أكبر من نطاقه الوظيفي وصلاحياته وعلاقته برؤسائه بسبب اشتباكه مع سوريا وحزب الله، وموقعه اللصيق بتيار المستقبل، وعلاقته المباشرة بالتحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ما ادخله في صميم الصراع السياسي. وما خلا اسمين لامعين شغلا المديرية على مرّ تاريخها الطويل هما الزعيم نورالدين الرفاعي عام 1959 في مطلع عهد الرئيس فؤاد شهاب والعقيد احمد الحاج عام 1977 في مطلع عهد الرئيس الياس سركيس، يندر تذكّر إسم ضابط كبير شغل المديرية وأحالها موقعاً سياسياً قوياً ومؤثراً.

مع ذلك، يبدو تأجيل تسريح بصبوص حلاً مقبولاً بدوره، إذا تخلى تيار المستقبل عن تسمية عثمان موقتاً. ورغم أن ثمة مَن يقول إن ليس في قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي مخرجاً لتأجيل التسريح الوارد في المادة 55 من قانون الجيش، بيد ان المادة 161 من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي تفسح عملياً في حل مطابق تماماً.

تنص المادة 161 على أنه يطبق على ضباط قوى الامن الداخلي في ما يتعلق بالأوضاع التي يكونون فيها، الأحكام نفسها السارية على ضباط الجيش ما لم يرد نص مخالف. وعلى غرار قانون الجيش، تمنح المادة 161 وزير الداخلية والمدير العام لقوى الامن الداخلي الصلاحيات العائدة اليهما عند تطبيق الأحكام على ضباط قوى الأمن الداخلي. إنسجاماً مع المادة هذه، بات في الإمكان تخويل وزير الداخلية الصلاحية نفسها لوزير الدفاع بتأجيل تسريح ضابط كبير بتدبير إداري. وقد لا يقتصر تأجيل التسريح على بصبوص، بل ربما يشمل قائد الدرك العميد الياس سعادة.

على نحو كهذا، يجلس الجميع ـ سياسيين وعسكريين ورؤساء ووزراء ونواباً ومؤسسات معلقة، حتى إشعار آخر، على شرفة ستاتيكو، يتفرجون على ما يمرّ من تحتهم.