الشغور يزحف إلى المؤسسات الأمنية
رفع سن التقاعد للضباط: مع.. وضد
بعكس ما اوحى البيان الصادر عن وزير الدفاع سمير مقبل قبل نحو اسبوعين، والذي اعلن بموجبه الانتهاء من وضع التقرير الختامي لمشروع القانون الجديد لنظام سن التقاعد من الخدمة العسكرية، ورفعه إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء تمهيداً لإدراجه على جدول الاعمال، يبدو ان قطبا مخفية تتحكّم بهذا الملف قد تعيق فلش أوراقه داخل السرايا.
وفق المعلومات، لم يحل المشروع حتى الساعة الى الامانة العامة، فيما يسعى وزير الدفاع الى تسهيل مروره عبر «الخط العسكري» من أجل إقراره في وقت قريب، كما وعد بعض الجهات السياسية.
بالأساس، وقبل ان تلفح الاعتبارات السياسية مضمون هذا المشروع وما سبقه أيضا من محاولات لرفع سن تقاعد رؤساء الاجهزة الامنية وكبار الضباط فقط، فان ثمّة رأيين يتنازعان هذه القضية:
الاول ان الابقاء على سن التقاعد الحالي يُبقي المؤسّستين، العسكرية والامنية، ضمن كادر لم تضربه «الشيخوخة» والترهل في الاداء، كما ان رفع سن التقاعد سيؤدي الى تخمة ضباط في الرتب العالية.
اما الرأي الثاني، فمناقض تماما ويستند الى واقع ان سن التقاعد المعتمد في لبنان هو الادنى مقارنة ببعض الدول، ومنها من يسعى اليوم عمليا الى رفع السن، كما ان العديد من الدول الاوروبية وأميركا يصل سن التقاعد فيها الى 65، حيث يتم الاستفادة من الخبرات المتراكمة للضابط في نطاق عمله.
لكن هذا شيء، والحسابات السياسية «على اللبناني» شيء آخر. ويبدو ان ثمّة مقاربات متضاربة بخصوص الملف قد تؤخّر سلوكه درب الاقرار في مجلس النواب في القريب العاجل.
فقيادة الجيش، التي سبق لها ان ان طبقت قانون الحوافز قبل نحو أكثر من عامين، مما اقتضى تعديلا لقانون وزارة الدفاع خرج بموجبه العشرات من الضباط من السلك وفق سلّة حوافز مغرية، تجد ان رفع سن التقاعد اليوم يتعارض مع المسار الذي اعتمد سابقا والذي قضى بـ «ترييح» السلك من الفائض ومن الاعباء التقاعدية. ولا يمكن أيضا في هذا السياق، تجاهل الربط القائم بين رفع سن التقاعد، إذا أقرّ، ونهاية ولاية قائد الجيش الممدّدة حتى ايلول من العام الحالي، في حال لم يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية.
وفيما اعلن رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» سابقا موقفا صريحا عارض فيه مبدأ توسيع دائرة الضباط «بحيث تصبح أكبر من العسكر»، رافضا تحويل الجيش الى «مأوى عجزة»، وذلك إبّان معارضته للتمديد لقائد الجيش في صيف 2013، فإن مقرّبين منه يؤكّدون اليوم ان إقرار مشروع رفع سن التقاعد في كل الاسلاك العسكرية (وليس التمديد فقط لكبار الضباط)، غير مرفوض من قبله، لا بل يدفع باتجاهه، خصوصا أن دورة العام 1994 والتي تضمّنت العدد الاكبر من الضباط الموالين لميشال عون، الذين كانت أعمارهم كبيرة نسبيا عند تطوّعهم وأخّر الرئيس اميل لحود التحاقهم بعملهم بعد انتخابه رئيسا، سيستفيدون بشكل أساس من رفع سن التقاعد.
وبالتأكيد فإن كثرا يرون ان رفع سن التقاعد يعزّز حظوظ قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز في البقاء ضمن السلك العسكري لثلاث سنوات إضافية، مما يبقي احتمال تعيينه قائدا للجيش قائما، مع العلم ان روكز يحال الى التقاعد هذا العام.
ويتبدّى معطى آخر تقني قد يفرض نفسه في المؤسسة العسكرية. فخلال اربع او خمس سنوات يحال تباعا الى التقاعد في الجيش ضباط دورة 82 و83 و85 و86 (سن تقاعد العميد هو 58 سنة)، مع العلم ان اول دورة تطوّع اجريت بعد العام 1986 كانت دورة الـ1994، اي بعد سبع سنوات.
وبالتالي فان ضباط دورة الـ 94 يحتاجون الى نحو سبع سنوات ليصبحوا عمداء، وضباط الـ 95 يحتاجون الى نحو ثماني سنوات، مما سيخلق فراغا في كادر العمداء بعد سنوات قليلة، كما ان بعض ضباط دورات 94 و95 و96 اعمارهم كبيرة وقد يخرجون من السلك أصلا برتبة عقيد (يحال العقيد الى التقاعد بعمر الـ 56)، wلانهم لم يقضوا فترة الست سنوات التي تؤهلهم ليصبحوا عمداء. لكن وفق متابعين، لا شيء يمنع من ان يتولى ضباط أقل رتبة مهام عميد.
وبموجب المشروع الحالي، فإن العماد قائد الجيش يحال الى التقاعد بعمر الـ 63 بدلا من الـ 60، واللواء بسن الـ 61 بدلا من 59، والعميد بسن 61 بدلا من 58، والعقيد بعمر الـ 59 بدلا من 56.
وبالتأكيد، فإن اقرار هذا المشروع في وقت قريب من شأنه ان يجد حلا سريعا لازمة الشغور الامني الزاحف الى المؤسسات والذي يبدأ بالامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير في شباط، ومدير مخابرات الجيش العميد ادمون فاضل في 20 آذار، وقائد الدرك العميد الياس سعادة في 22 أيار، ومدير عام قوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص في 5 حزيران، ورئيس الاركان اللواء وليد سلمان في الجيش في 7 آب، وقائد الجيش في 23 ايلول.
لكن حتى اليوم، لا توحي المؤشّرات بوجود توافق ضمني حول هذه المسألة. وإذا لم يقرّ القانون، فإن عراقيل عدّة قد تؤدي الى إعادة النقاش حول التمديد «الامني» الى نقطة الصفر في سلك قوى الامن كما في الجيش، كما ان اي تمديد بالمفرّق سيفتح الشهية على تمديد بالجملة!