IMLebanon

الرايتينغ… يضرب راسو بالحيط!

إستلقت بجانبي لاهثة ونَفَسُها شبه مقطوع، وما هي سوى ثوان قليلة حتى عادت واستقامت على الكنبة ووضعت يديها على خصرها من شدّة التعب… وكلّما قلتُ لها ارتاحي قليلاً، أجابتني بأنها لم تشبع بعد وتريد مشاهدة المزيد.

هكذا هو الحال بيني وبين الريموت كنترول منذ بداية شهر رمضان وانطلاق سباق المسلسلات والبرامج، ومن كان ليتصوّر أنّ هذا السباق سيكون «ماراتوناً» من النوعية والجماليات والإبداعات التمثيلية والإخراجية والكتابية التي غابت لفترة عن شاشاتنا.

إنكسر ضهر الريموت كونترول من كثرة التكبيس على أزرارها للانتقال من شاشة إلى أخرى، لمشاهدة أكبر قدر ممكن من المسلسلات التي تُعرض في الوقت نفسه على أكثر من محطة لبنانية… قولوا 10، قولوا 20 وحتى 30 مسلسلاً جديداً، تُهنا في العدّ ولكن لم تملّ أعيننا من التهام جمال كلّ الأعمال التي تتمختر على الشاشات كفتيان وفتيات فاتنات على منصّات عرض أزياء.

ليس هناك في البيت بوبكورن، ولا تشيبس ولا بزورات تكفي لإلهاء أفواهنا من السادسة مساء إلى ما بعد منتصف الليل… ولو لم يكن رحمة بالكنبة واسفنج الكرسي، لما كنّا تزحزحنا من أماكننا مهما طنّ المايكروويف في المطبخ. من يتجرّأ أن يشيح نظره عن الشاشة بعد أن يشاهد وحوش التمثيل يسرحون ويمرحون بين ورود النصّ والإخراج في مسلسل «ورد جوري»، وما من أحد قلبه قاس لدرجة تفويت مشهد من مسلسل «الهيبة» وخسارة فرصة التمتّع بتعملق الممثلين اللبنانيين والسوريين في عمل خسر كلّ هوياته باستثناء هويته الفنيّة الصرفة. وأيّ تلفون تردّ عليه عند متابعة التفاعل الكيميائي الثلاثي الساحر بين نجوم مسلسل «لآخر نفس» ودخولهم نفق العلاقات المحرّمة والإبداعات المشرّعة.

وحتى لو احترق بيت الجارة، لا شيء يمكن أن يبعدك عن أداء الممثلين الفريد والمقنع في مسلسل «قناديل العشّاق»، الذي تشرّحه كاميرا فنّان يمتهن طبّ الإخراج. ومهما كنت مزحوماً، لا يمكنك أن تغيب عن مشهد واحد من «باب الحارة» لأنك لن تعرف أحداً من الممثلين عندما تعود وستتلخبط في مُخّك الأحداث… لكن عندما نلمح العلاقة الحميمة بين الكاميرا وعيون الممثلين في «أدهم بيك» نجد أنفسنا مُمتطين ظهر نصّ يأخذنا إلى حلم بلد يشبه ثورتنا بأداء تمثيلي لافت.

والهمّ الذي لم نتمكّن من شلحه بعد ارتدائنا البيجاما، يمكن أن يزول سريعاً بعد مشهد واحد من «كاراميل» الذي يقدّم مادة كوميدية لطيفة على أيدي ثنائيات تمثيلية مميزّة وفي كادر تصويري ممتاز.

الأعمال كثيرة، وحتى بعد انطفاء موضة برامج الألعاب والجوائز، ظهر على الشاشة المحليّة برنامج «تركا علينا» الذي يمزج ما بين المقلب اللطيف والمسؤولية الإجتماعية، ليمنح من همّ بأمسّ الحاجة التفاتة مادية ومعنوية ثمينة.

هذا كلّه ولم نتمكّن من ذكر ربع الأعمال المعروضة، من دون ذكر برامج المقالب التي تقدّم الترفيه المشمئز، والتي يمكن عرضها بأفضل الأحوال في صالون انتظار عند طبيب أمراض نفسية.

مسلسلات كثيرة وشاشات مشغولة بالعرض، ونحن نشاهد مثل القبابيط، نَنطّ مبسوطين من محطّة لأخرى حتى لا نفوّت مشهداً علينا، وكلّ ما نتمنّاه لو يمكن لهذا الشهر أن يطول قليلاً، ولو يمكن لهذا السباق الدرامي أن يستمرّ حتى بعد انتهائه… فنجلس بعد رمضان كلّ ليلة على كنباتنا ونقول للرايتنغ أن يضرب رأسه بالحيط، لأنه بعد ترفيهنا ما ينبت حشيش.

وهلّق صار لازم ننهي المقال لأنه قرّب وقت العرض المتواصل، ولازم نحَمّي أنا والريموت كونترول قبل الماتش الدرامي.