ليست قصة رامي مخلوف وابن عمته الرئيس السوري فريدة من نوعها. أمثلة لا تحصى طبعت تاريخ الشعوب وثوراتها عن الامساك بالسلطة وتوارثها أو السيطرة عليها من حزبٍ أو مجموعة عسكرية أو عائلة.
وإذا كان لمسلسلٍ أن يُكتب عن صعود امبراطورية مخلوف وسقوطها، فيجب أن يبدأ من أول انقلابات البعث في 8 آذار 1963، فهي الجريمة الأصلية التي أطاحت بالرئيس ناظم القدسي والحكومة المنتخبة برئاسة خالد العظم، وهي التي أسست لسلسلة انقلابات انتهت بـحبكة “الحركة التصحيحية” العام 1970، المستمرّة مفاعيلها بفعل وراثة بشار والدَه قبل نحو عقدين بالتمام والكمال.
شكلت كل امبراطورية على مدى التاريخ “أوليغارشيتها”، وتوزّعت العائلات، ليس حكم دولة أو “قُطر” من الأقطار، بل حكم أوطان على مدى قارات، وكانت أسباب سقوطها متشابهة الى حد كبير. تبدأ السلطة بالاستئثار وبتوزيع المنافع ثم تحصر الزبائنية في الحاشية والمقرّبين وتنتهي الى “صراع الديوك” أو “القلّة التي تولد النقار”.
غير أنّ الكلمة المفتاح هي نفسها على الدوام: الاستبداد. فلا سيطرة فردية أو حزبية وتجاوز قوانين إلا اذا غابت الديموقراطية ومورست القوة العارية، ولا أرباح طائلة وتكديس ملايين ومليارات إلا بتغييب الرقابة والحريات. وكلّ العناصر متوافرة في قصة رامي مخلوف، “باب الحارة” الفعلي.
منذ “الحركة التصحيحية” التي رفعت شعار “التوازن الاستراتيجي” مع اسرائيل، فألغت مظاهر الحرية والتعبير في الداخل السوري ووضعت اليد على قرار شعبين اضافيين هما الفلسطيني واللبناني، دخلت المنطقة “السجن العربي الكبير” كما سمَّاه الراحل كمال جنبلاط. كان الهاجس شبه الوحيد آنذاك الدور الاقليمي وجمع الأوراق، وأثبت حافظ الأسد انه لاعب حرِّيفٌ كبير.
في عهد الرئيس الشاب تطايرت الأوراق وصارت سوريا ذاك الملعب الفسيح. بالتوازي تحوّلت “موجبات” الانفتاح الى جشع استثنائي، وباتت “سيرياتل” نموذج الاقتصاد السوري الجديد. لدينا في لبنان، وفي كلّ بلد عربي تقريباً، نماذج مماثلة لشركات اتصالات وملايين منهوبة أو فائتة على خزينة الدولة وعلى حساب الشعب المسكين.
تصل القصة في سوريا اليوم الى خواتيمها بفعل انحسار قاعدة النظام وانهيار الوضع المالي والنقدي. يخرج رامي مخلوف، الذي دخل طاووساً من البوابة الواسعة لقصر المهاجرين، خائباً من الباب الخلفي.
ليس في صعود عائلة مخلوف وسقوطها درس جديد للسوريين. فالموالون مثل المعارضين يعرفون آلية تقاسم السلطة والمال في دمشق. لكن لعل الرواية تفيد اللبنانيين ممّن يريدون منّا معاندة صندوق النقد الدولي وبأن نيمّم شطرَ محور الممانعة المشرقي. المحور المذكور، بأمه وأبيه، تجسيدٌ لحكم الأجهزة المتحالفة مع أخوات “سيرياتل”. تتغير وجوهٌ وأسماء لكن الجوهر واحد: استبدادٌ يفضي الى فساد، ثم تقاتلٌ على جيفة البلاد.