Site icon IMLebanon

الرملة البيضاء: القرار بيد المشنوق

لا أحد يُعوَّل عليه لإسقاط صفقة شراء العقارات الثلاثة على شاطئ الرملة البيضاء بقيمة تفوق المئة مليون دولار، إلا المواطنين. هم وحدهم قادرون على إعادة الأموال “المضبوبة” والمسحوبة من جيوبهم لتدفع ثمن سمسرات وأراضٍ لا تفيد سوى المنتفعين منها.

وأي تأخير عن الوقوف في وجه فساد السلطة هو تخلٍّ عن حقهم وحق عائلاتهم وأولادهم بالاستمتاع بالمياه والبحر والشمس والرمل مجاناً من دون منّة من أحد. الاكتفاء بالبكاء على الأطلال تحسراً على مال ضاع لا يكفي؛ فالمسبح الشعبي على الرملة البيضاء حق مضمون قانوناً، بعكس ما يحاول رئيس مجلس بلدية بيروت، بلال حمد، الإيحاء به. وهو ملك الدولة. لا سياج يحدّه، ولا قدرة لأي رجل أعمال مهما استملك بقربه، أن يثني المواطنين عن ارتياده. ويفترض أن يفهم “سماسرة بيروت” ذلك بشكل قاطع ونهائي. فالأرض التي باعها آل الحريري لوسام عاشور هي في الأصل ملك عام غير قابل للبيع في كل دول العالم إلا في لبنان. اشتراها بداية آل الحريري بسعر يقارب 400 دولار للمتر، وعوضاً عن ردّ الحق إلى أصحابه وحماية شاطئ بيروت، آثروا المتاجرة بها وإعادة بيعها إلى “وسيط”، ليشتريها المجلس البلدي من جديد بقيمة مضاعفة عشر مرات عن القيمة الأصلية. وهنا لا يسع أحد تفسير كيف قفز سعر المتر من 400$ إلى 4300$ (أرسل عاشور كتاباً إلى البلدية يحدد فيه سعر المتر بـ4300 دولار). كل ذلك تحت عنوان “تأمين المنفعة العامة بإنشاء مسبح مجاني”. ولكن ما لم يقله حمد للبيروتيين أنه لا لزوم لإنشاء مسبح، لكونه موجوداً أصلاً. فالقانون يمنع عاشور من البناء على العقارات. وليس مسعى شراء الأرض بحجة “تأمين مسبح شعبي للمواطنين” سوى تبرير لتبديد 120 مليون دولار من أموال سكان العاصمة لشراء الأرض. فالمسبح اليوم متاح للعموم، ويمكن أيّاً كان ارتياده. والأجدى بحمد، الحريص على حقوق البيروتيين، توفير مبلغ صغير لتنظيف هذا الشاطئ، لا افتتاح شبكة مجارير فيه.

يحاول آل الحريري أخيراً تضليل الرأي العام عبر مجموعة أقنعة يبدلونها عند الحاجة. تارة يكون القناع على هيئة بلال حمد، وأحياناً يظهر على شكل مجلس بلدي. ولكن فعلياً لا وجود لكل هؤلاء؛ هم فقط “الوكلاء” الذين عهد إليهم إلهاء الرأي العام بألف اسم واسم. بطل القصة الحقيقي عائلة ــ شركة تسعى إلى وضع يدها على أملاك اللبنانيين، ثم تحاول أن تبيعهم ما وُهِب إليهم بالمجان. تساندهم في ذلك الأحزاب المنضوية في المجلس، ولا سيما النائب وليد جنبلاط. فالبيك يواظب منذ فترة على مكافحة الفساد افتراضياً عبر “تويتر”، ولكنه عند الجدّ يرسل ممثله للبصم بالعشرة على “الصفقات”. وهنا، تبدأ لعبة تبادل الأدوار: جنبلاط يحمّل المسؤولية لبلال حمد. الأخير يلقيها على المجلس البلدي. أعضاء المجلس صورة عن قادتهم السياسيين: هم مشاركون في قرار هدر أموال البيروتيين، بما أنهم قرروا الصمت وعدم مواجهة ما يجري أولاً، ثم عدم فضحه ثانياً. لا مكان للوسطية هنا، ولا للنأي بالنفس، كل من يسمح ويسكت عن هدر أموال البيروتيين فاسد، ولو لم يوقع المحضر أو تعمّد الغياب عن الجلسة. ينتهي الأمر بصدور قرار عن المجلس البلدي بشراء العقارات، ثم قذف الكرة إلى مكتب المحافظ وتفويضه بتحضير عقد الشراء وشروطه (القرار رقم 284) من دون إرفاقه بنسخة عن المحضر الأساسي. والمحافظ ينأى بنفسه، لأن القانون (المادة 56 من قانون البلديات ــ 118/77) يمنح الرقابة على قرارات بلدية بيروت لوزير الداخلية وحده. والوزير نهاد المشنوق ينتظر وصول القرار إلى مكتبه، مؤكداً أن كل ما يُحكى اليوم لا يزال في الاطار النظري، “ولن يصبح شيء عملياً قبل أن يصدر قرار نهائي عن المجلس البلدي حاملاً توقيع المحافظ”. وبعد إحالة الملف على الداخلية، سيقرر المشنوق “المناسب، على قاعدة ضرورة الحفاظ على الشاطئ مسبحاً عاماً”.

الحريريون يريدون إسدال الستار على صفقة بـ120 مليون دولار لا تفيد مدينة بيروت بشيء سوى أنها تطعم أفواه مسؤوليها. وعوضاً عن الوقوف في وجه “الفساد المنظم” باللحم الحيّ، تؤثر الأحزاب تقاسم الجبنة والمقاعد في ما بينها. يتغافل البيروتيون عن سرقة أموالهم واستعمالها لمآرب خاصة وسمسرات جانبية. يسكت اللبنانيون والمجتمع المدني عن “دالية” ثانية وسوليدير بحري. لكن لا همّ، هذا المجتمع المدني ينتظركم اليوم على شاطئ الرملة البيضاء، لإحياء ذكرى “أربعة أيوب”. لاقوه على ستاند “بيروت مدينتي” لرسم تصوركم عن المدينة والابتهاج بألعاب السحر. أكثروا من الرسم والسحر، قد يعيد ذلك المسابح الشعبية ويحمي الملك العام من حيتان المال.