تتواصل المعارك الإنتخابيّة المتنقلة في كل المناطق، وتحطّ رحالها في بلدة القبيات العكارية، كبرى البلدات المارونية في المحافظة الحدودية، فيكتمل بذلك مسلسل التنافس الماروني البلدي والنيابي والرئاسي.
لم تشأ القبيات أن تعيش خارج سرب التنافس الماروني الحاد، أو تتمايَز عن بقية المناطق المسيحية، فطبّقت المنطق الذي يقول إنّ الموارنة لا يمكنهم السير صفاً واحداً والاتفاق، بل إنّ كل ماروني يغرّد لنفسه ولَو بعيداً.
وعلى رغم أنّ التوافق نجح في بلدات مسيحية عدّة، إلّا أنّ البلدات والمدن الكبرى شهدت معارك شديدة، مثل جونية وزحلة وجزين، إضافة الى المعركتين المنتظرتين في القبيات وتنورين شمالاً، حيث يرى كثيرون أنّ هذا الأمر ظاهرة صحيّة وتدلّ على التمسّك باللعبة الديموقراطية.
ستكون صناديق الإقتراع على موعد مع الناخبين في القبيات الأحد المقبل، تلك البلدة التي تعدّ نحو 10500 ناخب مسجلين على لوائح الشطب غالبيتهم الساحقة موارنة، سيختارون مجلساً بلدياً مؤلفاً من 18 عضواً.
وتشتدّ حدّة التنافس، الذي لم تكن القبيات بعيدة عن أجوائه. ففي العام 2013 دارت معركة قاسية بين تحالف «القوّات اللبنانية» والنائب هادي حبيش من جهة، و«التيار الوطني الحرّ» والنائب السابق مخايل الضاهر والكتائب اللبنانية من جهة أخرى، أدّت الى فوز عبدو عبدو برئاسة البلدية.
تبدّل المشهد الانتخابي اليوم، وباتت التحالفات مُباحة، فتحالف «القوات» و»التيار» الجديد العهد أنتجَ تحالفاً مضاداً بين حبيش وخصمه التاريخي الضاهر، ما ساهمَ في خلط الحسابات مجدّداً.
وبات المشهد في القبيات منقسماً بين لائحة يدعمها التحالف أطلق عليها إسم «أهل القبيات» ويتقاسم رئاستها منسق «القوات» في البلدة المحامي جان شدياق وممثل «التيار» طوني مخايل، فيما شكّل تحالف حبيش- الضاهر- الكتائب لائحة «القبيات تقرّر» برئاسة رئيس البلدية الحالي عبدو عبدو الذي خاض انتخابات 2013 مع «التيار».
وسط هذه الأجواء المحتدمة، تتوزّع الاتهامات يميناً وشمالاً، حيث يُقال إنّ تيار «المستقبل» يريد كسر الثنائية المسيحيّة في القبيات، فيما يُتّهم القوات والتيار بأنهما يريدان كسر حبيش في بلدته.
وأمام هذا الواقع، تطرح علامات استفهام حيال فشل التوافق الذي كان البعض يسعى إليه والذي حَتّم الذهاب الى معركة، خصوصاً وسط تساؤل عن أسباب فكّ تحالف عبدو- «التيار».
وفي هذا السياق، يستغرب عضو المجلس السياسي لـ«التيار» وابن القبيات جيمي جبور «كيف يُقال إننا نريد إقفال بيت هادي حبيش السياسي ونحن كنّا أوّل من دعا للتوافق وسعى إليه قولاً وفعلاً؟».
ويشرح لـ«الجمهورية» قصة التوافق، فيوضِح: «بدأت مساعي الوفاق عندما اتفقنا في منزل رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في البترون على أن يأخذ «التيار» و«القوات» 9 أعضاء ضمنهم نائب رئيس، في مقابل أن يأخذ عبدو رئاسة البلدية وحبيش وحلفاؤه بقية الأعضاء، لكننا فوجئنا أنّ حبيش رفض التوافق وقرّر إعطاءنا 8 أعضاء فقط، وهذا ما خربط الوفاق».
ويضيف جبور أنه «في هذه الاثناء كان عبدو يفاوض حبيش من دون علمنا، وعندما نجح تحالف حبيش- الضاهر سار في اللائحة المقابلة، فيما كان «التيار» يسعى للحفاظ على حلفه معه».
وعلى رغم أنّ الجميع يحاول الحفاظ على الأجواء الديموقراطية الهادئة، يسعى كل طرف الى شدّ الأهالي والناخبين الى جانبه.
وفي السياق، يشير عبدو لـ«الجمهورية» الى أنّ «المعركة في البلدة طبيعية وتنافسية، وأخفّ وطأة من انتخابات العام 2013»، مؤكداً أنّه «سعى الى التوافق، لكنه تولّى البلدية لمدة 3 سنوات، وقبلها لمدة مماثلة ولم أستطع أن أنفّذ للبلدة المشروع الذي أطمح إليه.
وعندما تفاوضتُ مع «التيار» و«القوات» طلبتُ أن تكون مدّة ولايتي كاملة، فأتوني بجواب أنهم يعطوني 3 سنوات فقط، فرفضت»، ملاحظاً في المقابل أنّ «حبيش والضاهر وافقا على أن أتولى المسؤولية لمدة 6 سنوات».
ويشدّد عبدو على أنه «كان يطمح الى التوافق والابقاء على الحلف مع «التيار» والكتائب، لكنّ الأمور ذهبت نحو التنافس، فالخلاف بين حبيش والضاهر كان سياسياً واتفقا، بينما دارت حرب بين «القوات» و»التيار»، لذلك لا يستطيع احد انتقاد تحالفنا».
تأخذ المعركة في القبيات حجماً كبيراً نظراً لأهمية البلدة وتنوعها السياسي، ووجود أحزاب وزعامات محلية فيها. وبعد الحديث عن وَضع تيار «المستقبل» ثِقله في المعركة في وجه «القوّات» و«التيار»، يؤكّد حبيش لـ«الجمهورية» أنّه «عضو في الكتلة ولستُ منتسباً الى «التيار»، فنحن أبناء القبيات وحَيثيتنا موجودة، وكلّ الكلام عن هذا الموضوع هو في إطار التجييش الإعلامي والسياسي».
ويشدّد حبيش على أنّ «المعركة ديموقراطية، وقد تحالفنا مع الضاهر لأنّ له قوة تمثيلية، واتفقنا على ترشيح عبدو من اجل إتمام مشروع إنمائي»، معتبراً «اننا لا نريد كسر أحد في البلدة، وكل الكلام عن محاولة كسرنا الأحزاب المسيحية ليس صحيحاً، فتاريخنا السياسي وعملنا من اجل البلدة يشهدان لنا على سلوكنا».
سعى تحالف «القوّات» و»التيار» الى إيجاد توازن داخل اللائحة التي شكّلاها، فالوجود الحزبي في القبيات تحالف مع بعض العائلات. وفي هذا السياق، يشدّد مرشح «القوات» الى رئاسة البلدية جان شدياق على «اننا نخوض المعركة مع «التيار» من اجل التغيير وفي وجه السلوك التقليدي والقوة المالية، ومن اجل تطوير البلدة وتنفيذ مشاريع إنمائية»، موضحاً أنّ «القبيات تحتاج الى الإنماء، ولا نسعى الى إلغاء أحد، وخصوصاً حبيش، فهذا الأمر ليس موجوداً في قاموسنا بل نسعى الى تحسين الوضع والارتقاء ببلدتنا نحو الأفضل وتوفير الخدمات الضرورية لها».
القبيات على الموعد، وأهل القبيات يُقرّرون، ومع احتدام التنافس يبقى الخوف من أن يكون التشطيب سيّد الموقف، خصوصاً أنّ الإعتبارات العائلية وصِلات القُربى تلعب لعبتها في مثل هكذا استحقاقات.