لعل الصورة الأكثر تعبيراً في مشهد التعازي بمقتل، أو باغتيال، منسق «القوات اللبنانية» في قضاء جبيل، هي لحظة تقديم جيسي عيراني التعازي لميشلين سليمان. جيسي هي زوجة رمزي عيراني، المسؤول في «القوات اللبنانية» والذي «اختفى» في السابع من أيار 2002، إثر خروجه من مكان عمله في منطقة الحمرا، وعُثِر عليه جثة متحللة في صندوق سيارته في العشرين من أيار، أي بعد ثلاثة عشر يوماً من اختفائه.
كلّ الأجهزة الأمنية من لبنانية وسورية، آنذاك، نفت علمها بأن يكون رمزي موقوفاً لدى أحدها، ومدعي عام التمييز آنذاك القاضي عدنان عضوم «جزم» بأن عيراني لم يوقف من قبل أي من الأجهزة الأمنية. آنذاك، في زمن الوصاية، كانت كل جريمة تأتي في Package كاملة، بمعنى أنها تُرتَكَب ومعها الإتهام الجاهز مسبقاً. في حالة المهندس رمزي عيراني، كانت «التهمة» التي عممتها الأجهزة الرسمية، أن عيراني كان يعمل في شركة «توتال»، وكان من ضمن مهامه جولات منظَّمة على المحطات التابعة لشركة «توتال»، ونطاق جولاته كان يشمل الضاحية الجنوبية، وقد كان على «علاقة» نسجها في الضاحية الجنوبية، وهذا ما تسبب في خطفه وتصفيته لاحقاً على يد مَن لهم ارتباط بالـ»علاقة» التي نسجها.
هذا السيناريو لم تقدِّم الأجهزة التي روّجته، أي دليل على ما تقوله، فلا أوقف شخص مشتبه به على أنه على علاقة بالملف الذي اتُهِم به عيراني، وعلى العكس من ذلك، لم يظهر في مقابِله أي ورقة جدية في ملف التحقيق، علماً أنّ القاصي والداني كان يعلم أنّ اختطاف رمزي عيراني ثم تصفيته، كان رسالة موجَّهة إلى «القوات اللبنانية» التي تصاعد نشاطها في الجامعات والقرى والبلدات، على رغم حظرها، هذا السبب «الحقيقي» لدواعي الخطف والتصفية، لم يحضر لدى أي جهاز من أجهزة الوصاية الأمنية.
حين قدَّمت جيسي عيراني التعزية لميشلين سليمان، عادت بها الذاكرة إثنين وعشرين عاماً إلى الوراء، وحضر في ذهنها المشهد المروِّع لرمزي في صندوق سيارته، تماماً كما حضر مشهد باسكال سليمان على الأرض في سوريا.
كانت هناك محاولة لتركيب package على عجل: باسكال يعمل في بنك بيبلوس في قسم الـIT، ولا شك أنّه كان مطّلعاً على أسماء وتحويلات، فلقي المصير الذي لاقاه زميله السابق في بنك بيبلوس، أنطوان داغر، والذي لم تكشَف، أو بقيت طي «أسرار الأجهزة» ملابسات تصفيته. حتى الذين تولوا التحقيق في مقتل باسكال سليمان، طرحوا الأسئلة التي يطرحها الرأي العام، من مثل:
لماذا لم يتخلَّص الجناة من جثة باسكال في الطريق بين لبنان وسوريا؟ ولماذا خاطروا بنقلها كل هذه المسافة؟ مَن قام بتصوير الجثة، في الشكل المشوّه التي كانت عليه، وجرى توزيعها؟ هل يكفي القول إن الذين وجِّهَت إليهم اصابع الأتهام، تعاونوا وسهلوا التحقيق وكذلك تسليم الأشخاص المتهمين، ليُقال إن الشبهات بعيدة عنهم؟ مَن يتذكَّر المواقف المستنكِرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ ومَن قام بزيارة قريطم لتقديم واجب التعزية، ثم جاءت تحقيقات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لتتهم عناصر من حزبه بأنهم هم الذين اغتالوا الرئيس الحريري، وكان الرد على الإتهام بأنّ «لدينا قديسين لا مجرمين».
مرد هذه التساؤلات أن التحقيقات اتخذت مساراً محدداً، فهل عملت على مسارٍ آخر قد يوصِل إلى نتيجة أخرى؟
هناك جرائم كثيرة سبقت جريمة مقتل باسكال سليمان، وكل واحدة منها تثير الريبة: من مقتل جو بجاني إلى مقتل الياس الحصروني إلى مقتل لقمان سليم، فلماذا هذه الجرائم الثلاث ليس في ملف أي منها «قصاصة ورق»؟
إذا سلَّم الجميع بفرضية السرقة في مقتل باسكال سليمان، فهل يُقفَل الملف؟ وهل يُنشَر محضر التحقيق؟