تظهر المواقف السياسية في لبنان، وبما لا يقبل الشك، حال الارتباك الداخلي، بما هي صورة للاوضاع المعقدة في المحيط بدءا من سوريا، مرورا بالاشتباك السعودي – الايراني، وصولا الى قرار دولي غير واضح الابعاد والمرامي. هذه الحال تنعكس على مجمل العلاقات والتحالفات الداخلية، الهشة اصلا، فتشلعها وتفككها، ربما تمهيدا لرسم واقع جديد، او فرضه فرضا بعد افلاس معظم اللاعبين.
أحدث الوقائع إبلاغ “القوات اللبنانية” اجتماع قيادات 14 اذار، تبنّي الحزب ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وفي هذا الموقف اطلاق نار على الحلفاء، كما اطلاق نار على القدمين. فحزب “القوات” كان من ابرز الساعين الى تعطيل حوار الحريري – عون، ودفع بمسؤولين سعوديين الى رفض ذلك الخيار في حينه، وحاول في الاسابيع الماضية وضع نفسه في اطار المنقذ للتحالف الاذاري من التفكك قبل ان يعدمه برصاص “طائش”.
والرئيس الحريري اطلق النار على قوى 14 آذار، وتحديدا “القوات”، في مضيّه بترشيح النائب سليمان فرنجيه من دون التنسيق معها، او تهيئة الاجواء والظروف لقبول الطرح المستغرب، خصوصا ان فرنجيه اكثر التصاقا بسوريا – بشار الاسد، من عون وعلاقته المستحدثة. كما ان الحريري، في مسعاه الهادف الى انهاء حال الشغور الرئاسي، اطلق قذيفة داخل المنزل “المستقبلي” تشظى منها العديد من الانصار.
اما فرنجيه فأطلق النار على فريقه السياسي اولا، بدءا من رئيس التكتل الذي ينضم اليه (“تكتل التغيير والاصلاح”) اي عون، فلم يتشاور معه، وصولا الى “حزب الله” الذي فوجىء بالاتفاق، معتبرا ان العلم بالشيء غير الموافقة عليه، فبادله باطلاق النار من بوابة البطريركية المارونية التي لجأ اليها فرنجيه، مؤكدا ان مرشحه الدائم هو عون نفسه وليس من يمثله، ثم اكمل الحزب باطلاق قذيفة على صاحب المبادرة فأعلن على لسان النائب محمد رعد ان “من يعيش الإفلاس في ملاذه الذي يأوي إليه الآن، يجب الا يجد مكاناً له في لبنان من أجل نهب البلاد مرّة جديدة”، وهو بذلك وجه رسالة بالغة القسوة الى الحريري، ولو من دون ان يسميه. والرسالة التي لم تتكرر من مسؤولين في الحزب، لم يعتذر احد عنها، ولم يعلن انها لا تمثل الموقف الرسمي للحزب.
واذا كان الرئيس نبيه بري والعماد عون يكرران تبادل اطلاق النار مباشرة او بالواسطة في ما بينهما، فالواضح ان بري ايضا اطلق النار على مبادرة “صارت في الثلاجة” قبل ان يكمل تنصّله منها فيقول “لينزل الجميع الى البرلمان ومن يربح اهلا وسهلا به”.
هكذا عشنا المدة الاخيرة وسط تراشق واطلاق نار عشوائي وفي كل الاتجاهات قبل العودة الى هدوء متوقع مع انطلاق آليات الحوار والعمل الحكومي مجددا، في انتظار تطور ما يعيد خلط الاوراق او فرض واقع جديد.