هذا الطوفانُ الوحشيّ الأقصى الذي فجَّـرهُ العـدوُّ الإسرائيلي في لبنان، هو أقصى ما يتوصَّل خرّيجُ الأفران الهتلريّة إلى ابتداعه…
الحربُ هي الحرب، ولكنْ هناك أخلاقية في الحرب تتخطّى، إرواءَ غريزةِ العقل بالدم، وفـنّ القتل للقتل.
قبل أنْ تضع الدول قانونـاً إنسانيّاً للحـدّ من وحشية الحرب وحماية المدنيين، ولا سيما في اتفاقية «جنيف» سنة 1949، كانت هناك أخلاقية إنسانية عبـرَ فروسية المبارزة بالسيف، وحتى رُعـاةُ البقر الأميركيون كانوا يتواجهون علانية بالجَهْـرِ لا بالغدر.
الإمام علي بن أبي طالب في معركة «الجمل» أوصى أصحابه: «أنْ لا تَتْبـعوا مُـدْبراً ولا تُجهزوا على جريح، ولا تقتلوا أسيراً…».
ما حقّقتـه الثورة الفرنسية على صعيد حقوق الإنسان، أسقطَتْـهُ… النظريات النازيّة والفاشية، حين جعلت الفاشيةُ من القومية إلهـاً، وحين ألَّـهَ هتلـر العنصر، وألّهت إسرائيل ثورها الذهبي.
هذا الثورُ الذهبي الإسرائيلي أطاح كـلَّ الشرائع الدولية، ولا رادع، وأصبحت الدول والشعوب تعتمد على نفسها للدفاع عن نفسها.
هل يحـقّ للبنان أن يدافع عن نفسه؟ وهل تتعاطف معه دول الغرب حيال الطوفان الإسرائيلي، كما تعاطفت في طوفان السابع من أكتوبر مع إسرائيل، وحشدتْ أميركا الأساطيل لحماية العجْل الذهبي…؟
هذا التفجير الذي استخدمته إسرائيل بواسطة أجهزة الإتصال اللاسلكية، يـدلّ صراحة على أنها كانت هي وراء تفجير مرفـأ بيروت بالأساليب اللّاسلكية نفسها.
وهذا التفجير الإجرامي تحـوّل في لبنان إلى قضيّـة وطنية، بغضّ النظر عن خلفيّة الإنخراط في الحرب وأسبابها، فعندما تقع في الوطن مصيبةٌ فاحشة على يـد عـدوٍّ أجنبي، يصبح الشعار: «أُنصر أخاك ظالماً كان أو مظلوماً».
لفتَني، ما جـاء في المؤتمر الصحافي للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 16 أيلول الجاري، حين يقول: «نحن أخـوة مع الأميركيين وعليهم أنْ يُثبتوا أخوَّتَهُمْ، ليست لدينا مشكلة معهم، لا نسعى إلى تصدير الثورة، نحن دعاة سلام ولا نبحث عن الحرب…».
هذا التصريح يشكّل انقلاباً لما تكوّن من مفاهيم حـول نهج الثورة الإيرانية وساحاتها.
سنة 1997 في أعقاب انتخاب الرئيس الإيراني محمد خاتمي رأى فيه الإتحاد الأوروبي رئيساً إصلاحيّاً معتدلاً ودخل معه سنة 1998 في حوارات شاملة حول القضايا الإقليمية وعملية السلام في الشرق الأوسط، وعـدم انتشار أسلحة الدمار الشامل وحقوق الإنسان والحرب على الإرهاب.
والرئيس الإيراني الحالي يبسط أيدي الإنفتاح الأخوي حتى على الشيطان الأكبر، في معادلة تكاد تُشبـه ما قاله ياسر عرفات ذات يـوم: بأنـه يحمل البندقية قي يـدٍ وغصن الزيتون في اليد الأخرى، ما أدّى إلى معاهدة دولية حـول الشأن الفلسطيني تمخَّضت عن اتفاقية «أوسلو».
إذا صـحّ ما أوردَتْـهُ الخارجية الأميركية، «بأنّ واشنطن ليست ضالعةً في عملية تفجير أجهزة الإتصال في لبنان، وأنها ترغب في حـلّ دبلوماسي للصراع بين إسرائيل وحـزب الله…» فعليها أن تُثْبـت أخوّتها لوقف دوّامـة عنف الـدم وجهنمية الحرب، وفي الحرب، أيِّ حـرب المنتصر فيها خاسر.
في العام 1917 وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى وُصف رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو، بأنـه «أبو النصر»، ولكن كلْفةُ هذا النصر كانت مقتل مليون وأربعمئة ألف فرنسي، وتدمير جـزء كبير من شمال فرنسا، و670 ألـف إمـرأة ترمّلت، ووصل دَيْـنُ فرنسا إلى سبعة مليارات دولار.
ليت الأميركيين يُثْبتـون أنهم أخـوة..