IMLebanon

فرص نادرة لإصلاح أوروبا: اليورو مشروع غير مكتمل

لا يزال الاقتصاديون حول العالم مترددين عندما يتكلمون عن قوة ومتانة العملة الاوروبية، ويشكّكون في كونها عملة الاحتياط الثانية في العالم.

لا يزال اليورو مشروعا غير مكتمل، وتلقى ضربات قوية سيما بعد الأزمة المالية العالمية في العام ٢٠٠٨. ولا يبدو اليورو مستعدا لأية أزمة قد تطرأ مستقبليا، سيما وان ما عانته دول اوروبا بعد الأزمة المالية ما زال حاضرًا في معظم دولها وضرب اعضاء منطقة اليورو واحدة تلو الاخرى. على سبيل الذكر لا الحصر، اليونان والبرتغال وايرلندا واسبانيا أُجبرت كلها على تبنّي خطة انقاذ (Bail-out).

اما ايطاليا وهي ثالث اكبر اقتصاد في اوروبا، فقد تداعى اقتصادها، واشار البنك المركزي الاوروبي انه على استعداد لاصدار كميات غير محددة من النقود اذا لزم الامر. كل ذلك لم يساعد اوروبا على تخطي مشاكلها، والمستثمرون يشككون بالامر، كما ان ديون الحكومات تراكمت مما جعل اي عملية اغاثة لليورو ضعيفة. كذلك تراجعت استعدادات هذه الدول لمواجهة احتمال اي ازمة قادمة.

لذلك، وفي مواجهة السياسة التي تعرضت لها حكومات هذه الدول واختلاف وجهات النظر بين المانيا والمركزي الاوروبي، كل ذلك جعل من العملة الموحدة اداة تباعد بين الدول بدلا من تقاربها، وزادت الهوة بين دولها سيما اذا ما قارنا معدل البطالة والانتاجية والمديونية في العديد منها. على سبيل المثال، اجراء مقارنة بسيطة بين المانيا واليونان تعطينا فكرة واضحة عن مدى هذا التباعد.

هذا الأمر يساعد في تفسير لماذا لم تعط المحادثات التي تجري حول اصلاحات منطقة اليورو اي نتيجة لغايته، سيما وان الدول المديونة ما زالت طامعة بالاموال الرخيصة التي يضخها المركزي الاوروبي. والمتشددون مثل المانيا ما زالوا مقتنعين اكثر من اي وقت مضى بضرورة وجود قواعد صارمة في شأن الانفاق والاصلاح الهيكلي وسياسات التقشف التي اثبتت ولغايته انها غير ناجحة.

جاء فوز ماكرون ليعطي الامل لليورو، سيما وان فرنسا تواجه خيارا صعبا مثل اي بلد اوروبي آخر وهو اما البقاء في العملة الموحدة مع اجراء اصلاحات داخلية جدية او الاستقالة وترك اليورو. وأعطت فرنسا جوابا شافيا، واستطاع ماكرون تحديد اولوياته وهي اصلاح الاقتصاد الفرنسي اولًا واصلاح منطقة اليورو ثانيًا.

لكن اثر الاصلاحات الداخلية يبقى محدودًا اذا لم يتواكب مع اصلاحات في المنطقة بالكامل لذلك عليه القيام بالامرين معًا.

امور متشعبة وكثيرة ومشاكل قد يصعب حلها سيما ان اليورو مشروع فرنسي- الماني، ولكن اختلفت الدولتان في شأن كيفية حل مشاكل العملة الموحدة.

المانيا من جهتها، تريد قواعد أشد صرامة على الميزانيات الحكومية وآليات جديدة لدفع الدول مثل فرنسا وايطاليا لاجراء اصلاحات هيكلية مؤلمة. في حين تسعى فرنسا نحو سياسات في الاقتصاد الكلي تعتبرها اكثر فعالية- ويبدو ان المانيا وضعت جدول اعمالها متجاهلة معظم الافكار الفرنسية مركزة على اولويات الانضباط المالي والاصلاح الهيكلي.

لم تمر زيارة ماكرون لميركل في ١٥ ايار الماضي دون انتقادات من الاقتصاديين الالمان الذين سموه «Cher ami» بما معناه الصديق العزيز. وكتبت عنه Der spiegel بما معناه «ماكرون سوف ينقذ اوروبا والمانيا سوف تدفع الثمن».

كل هذا والخطأ واضح في اوروبا سيما مع وجود مستويات ازدهار متباينة وقدرة تنافسية متفاوتة. كذلك الانفاق العام والضرائب وتنظيم سوق العمل. كيف يمكن لدول لديها هذا التناقض ان تشترك في عملة موحدة؟

لذلك يبدو انتخاب ماكرون والذي جاء بعد صدمتين عالميتين كبيرتين هما الـ Brexit (خروج المملكة المتحدة من اوروبا) وانتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الاميركية ليعطي نفحة امل بصرف النطر عما اذا كان باستطاعة ماكرون تأمين الاغلبية في الانتخابات البرلمانية القادمة، وتشكيل ائتلاف يستطيع معه اجراء اصلاحات في القطاع المالي.

هذا الامر يبدو واردًا في المستقبل اذا ما حصل على ما يتوخاه. اما اجراء اصلاحات في اوروبا فمسألة أشدّ تعقيدًا ويتطلب تغيير المعاهدة، وهذا شبه مستحيل، سيما وان كل دولة عضو يجب ان تصدّق على هذا التعديل لذلك يبدو الواقع اقل تفاؤلًا والفرص المتاحة في المستقبل المنظور تظل بعيدة المنال.

تأتي هذه الوقائع في وقت اعلن فيه الزعيمان الالماني والفرنسي فتح المعاهدات الاوروبية ووضع خارطة طريق جديدة في اوروبا، الأمر الذي اثار غضب العديد من زعماء اوروبا الشرقية الذين شنوا هجومًا على خطط ماكرون وميركل، ودعوا الى مزيد من الاحترام للدول الاعضاء. وفي حديث له قال السيد Fico الزعيم السلوڤاكي انه من غير الوارد اعادة صنع المعاهدات ويجب ترك الاشياء التي تفرق بين الاوروبيين.

اذا جاءت الانتخابات الاخيرة في هولندا وفرنسا كانتصار حاسم للوحدة الاوروبية، فإن انتعاش اوروبا ما زال بعيد المنال وطريقه وعرة.