السيل الذي اجتاح راس بعلبك، الأسبوع الماضي، أوقع أضراراً جسيمة لحقت بالمنازل والممتلكات، وأسفر أيضاً عن شبهات تحيط بأعمال بناء مجرى السيل الذي تشير الكشوفات الأولية إلى سوء في أشغاله، ما أدى إلى تسبّبه بالنكبة التي ألمّت بالبلدة
يختلف أهالي راس بعلبك حول قوة السيل الذي ضرب بلدتهم الأسبوع الماضي. يؤكد التسعيني نصر شعيب أن البلدة لم تشهد سيلاً بهذه القوة في تاريخها، فيما يذكّر آخرون بسيل مماثل اجتاح «الراس» عام 1987. لكن «الراسيين»، جميعاً، متفقون على أن روائح فساد وسمسرات تفوح من السيل الأخير الذي ألحق ببلدتهم أضراراً جسيمة.
السيل الهادر الذي سبّبته أمطار غزيرة تجمّعت من جهة معبر الزمراني ووادي الخيل ووادي الدرجة في جرود السلسلة الشرقية، أدّى إلى وفاة ابنة البلدة شهيرة بلعيس، وتعرض 42 من منازل البلدة و20 محلاً تجارياً و18 سيارة لأضرار كلية أو جزئية، فضلاً عن تضرر طرقات البلدة وخطوط الكهرباء وشبكة المياه، فضلاً عن الأضرار الزراعية التي لم تُحصَر بعد.
تعرض 42 من منازل البلدة و20 محلاً تجارياً و18 سيارة لأضرار كلية أو جزئية
أُعلنت «الراس» بلدة منكوبة، وتهافت عليها وزراء ونواب ومسؤولون في الدولة متضامنين، لكن «الراسيين» يسألون عمّا بعد ذلك، وماذا عن العلاجات الوقائية لعدم تكرار الكارثة مجدداً، سواء في الراس أو في الفاكهة والقاع والهرمل وغيرها. وماذا عن المحاسبة على سوء تنفيذ أشغال المجرى، ما أدى إلى اجتياح الوحول للمنازل والأرزاق؟ وكيف انهارت أجزاء كبيرة من جدران الدعم وتصدعت الجسور؟ ولماذا لم تستجب وزارتا الأشغال العامة والطاقة والمياه لطلب بلدية الراس بتعزيل المجرى بعد السيل الخفيف الذي ضرب البلدة قبل أيام، أو تسليفها مبلغاً من المال لتنفيذ أعمال التعزيل والتنظيف؟
يشدّد رئيس بلدية راس بعلبك، العميد دريد رحال، على أنه «عندما نصل إلى مرحلة المساءلة والمحاسبة نضمن ألا تتعرض بعدها رأس بعلبك أو غيرها لكارثة كهذه». ويوضح لـ«الأخبار» أن «ثلاثة أخطاء أدت إلى الكارثة بعد خروج السيل عن مجراه باتجاه المنازل والممتلكات، هي: أولاً، تضييق مجرى السيل بطرق غير مدروسة فنياً وعلمياً؛ ثانياً، الجسور المتدنية الارتفاع على طول المجرى، التي سدّت بالحجارة والصخور، ما أدى إلى خروج المياه عن المجرى؛ وثالثاً جدران الدعم وكمية الإسمنت والحديد فيها». وسأل: «كيف لجدران دعم بارتفاع 6 أمتار أن تتفتّت وكأنها من كرتون؟!».
بعد سيل 1987، نُفذت جدران دعم صغيرة أزيلت لاحقاً وأنشئت مكانها جدران الدعم الحالية على مراحل. لكن رحّال يؤكد أن لا وجود في البلدية لدراسات فنية في شأن الجدران، ولا لتقارير إشراف أو رقابة على الأشغال، أو تقارير تسليم وتسلُّم بين البلدية وكل من وزارتي الأشغال العامة والطاقة والمياه أو مجلس الإنماء والإعمار، «علماً أن هناك متعهّداً وحيداً يلتزم كل هذه التعهدات. أنا لا أتهم أحداً، وعلى القضاء أن يبتّ بذلك». ولفت إلى أن المدعي العام المالي علي إبراهيم «سيستدعي بدءاً من اليوم كل من تترتب عليه مسؤولية في هذه الكارثة، ولن ينفع تقاذف المسؤوليات بين الوزارات».
وعن مسؤولية البلدية عن تنظيف المجرى، يبرز رحّال كتاباً خطياً موجهاً من بلدية الراس إلى وزارة الطاقة والمياه يحمل رقم 6332 يطلب «تعزيل المجرى من الصخور والحجارة بطول 9 كلم، بالنظر إلى المخاطر الموجودة من تشكل سيول جديدة قد تسبب كارثة»، وأن «المهندسين الذين كشفوا على المجرى تبين لهم الحاجة إلى تسعين مليون ليرة لإجراء التصليحات والتعزيل، علماً بأن البلدية تعاني عجزاً مالياً كبيراً». ويلفت إلى أن البلدية لم تتلقّ رداً على الكتاب، لا إيجاباً ولا سلباً، مطالباً «بوقف الهدر والسمسرات والمحاصصة والعمل بجدية وفق دراسات فنية».
سيل الراس «طبيعي»… ولكن!
وتجدر الإشارة إلى أن رأس بعلبك من القرى التي تتعرض للسيل بسبب طبيعتها الجغرافية المحاذية للسلسلة الشرقية ولكثرة الأودية المنحدرة جميعها باتجاه البلدة في مجرى واحد. والراس من أوائل القرى التي سعت إلى الحصول على تمويل لتنفيذ مشاريع لدرء مخاطر السيول، ومنها مشروع بقيمة مليون و300 ألف دولار من الأمم المتحدة عام 2010، لتشجير المناطق الجردية وإنشاء برك صغيرة مع بعض المصدّات المائية في أعالي جرود البلدة لجهة معبر الزمراني.
المهندس الجيولوجي أسعد الخرفان قال لـ«الأخبار» إن السيل الذي ضرب راس بعلبك «طبيعي»، بالنظر إلى جغرافية البلدة و«السهل الواسع جداً في جرود البلدة، والسهول الجردية الأخرى التابعة لعرسال والفاكهة، وجميعها تتجمع فيها كميات كبيرة من الأمطار وتصبّ في الوادي الذي ينزل في اتجاه راس بعلبك». ولفت إلى مشروع سدّ كان لا بد من إنجازه منذ عقود طويلة بالقرب من كنيسة مار الياس عند نهاية بلدة رأس بعلبك وبداية الجرود. وأشار أيضاً إلى أن دراسات عديدة منجزة وموجودة في أدراج وزارة الطاقة والمياه، «وعلى نواب المنطقة السعي لإنجاز هذه السدود، لما فيها من درء لمخاطر السيول، وإنعاش للمنطقة سياحياً وبيئياً».
الهرمل وغربي بعلبك يطالبان بالتعويض
تعرضت الهرمل مطلع هذه السنة لسيل قوي سبّب أضراراً كبيرة في مزارع تربية سمك الترويت وعدد من المطاعم والمتنزّهات على مجرى نهر العاصي وفي منطقتي مرجحين وجباب الحمر الجرديتين. نائب رئيس اتحاد بلديات الهرمل عباس الجوهري، لفت إلى أن المسح الذي أجراه مكتب الثروة الحرجية والسمكية في الهرمل لا يزال في الأدراج، ولم تُجرِ الهيئة العليا للإغاثة مسحاً للأضرار، ولم تطلب الكشف بقصد اعتماده».
الأمر نفسه ينطبق على بلدات طاريا وشمسطار وحدث بعلبك التي تعرضت لخسائر في الممتلكات والأراضي الزراعية بعد سيل قوي أغرق منازل في شمسطار وجرف حقولاً زراعية من القمح والشعير والتبغ والبطاطا قبل أسابيع. وحتى اليوم لم تحرك الدولة ساكناً، رغم توجيه بلدية طاريا كتباً خطية للهيئة العليا للإغاثة من دون جدوى. أول من أمس، قطع مزارعو طاريا وحدث بعلبك طريق عام طاريا ــــ شمسطار بالإطارات المشتعلة، احتجاجاً على «عدم التفات» الدولة. ورفع المعتصمون لافتات كتب عليها: «نحنا كمان أولادك يا فخامة الرئيس». وناشد المعتصمون الرؤساء الثلاثة الإسراع في مسح الأضرار ودفع التعويضات أُسوةً بمناطق أخرى.