IMLebanon

البسّ بيحب خنّاقه

 

 

أعشق الأمثال الشعبية وأكنّ لها الاحترام، لما فيها من معانٍ وعِبر، تُظهر كم كان «أهل أول» يتمتعون بنظر ثاقب وتجارب ننهل منها اليوم ونتعلم.

 

تلك الأمثال تتطابق، في الكثير منها، مع العديد من الحقائق العلمية. خصوصاً في مجال علم النفس (الأمّارة في السوء). خذ مثلاً المثل الشعبي البيروتي القائل «البسّ بيحبّ خنّاقه»، الذي يعني أنّ الهِر يلوف على الشخص الذي يؤذيه وليس على من يعطف عليه ويطعمه ويسقيه.

 

هذا المثل يتطابق علمياً مع نظرية في علم النفس معروفة باسم «متلازمة ستوكهولم» التي تتحدث بشكل علميّ، وليس شعبياً، عن ظاهر نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع الخاطف.

 

وتسمى أيضاً بـ«رابطة الأسر» أو«رابطة الخطف». وقد اشتهرت تلك النظرية في العام 1973 بعد دراسة «حادثة خطف» وقعت في العاصمة ستوكهولم السويدية، حيث سَطَت مجموعة من اللصوص على بنك «كريديتبانكين»، وأخذوا بعضاً من موظفي المصرف رهائن لمدة 6 أيام.

 

خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، وقاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم، حيث تُظهر فيها الرهينة التعاطف والانسجام والمشاعر الإيجابية تجاه الخاطف، تصل لدرجة الدفاع عنه والتضامن معه.

 

هذه المشاعر تعتبر بشكل عام، فعلاً غير منطقي ولا عقلاني في ضوء الخطر والمجازفة اللذين تتحمّلهما الضحية، إذ إنّها تفهم بشكل خاطئ عدم الإساءة من قبل المعتدي، إحساناً ورحمة.

العلم يفسّر تلك المتلازمة بوصفها نوعاً من الارتباط الذي له علاقة بـ»الصدمة»، وليس بالضرورة مع حصول حالة الخطف الفيزيائي. بمعنى آخر، هي ترابط عاطفي يتكون بين شخصين (أو جهتين) أحدهما يضايق ويعتدي ويهدد ويضرب ويخيف بشكل متقطع ومتناوب.

 

إحدى الفرضيات التي تفسر هذا السلوك، تفسر هذا الارتباط بوصفه استجابة الفرد للصدمة وتحوله إلى ضحية. فالتضامن مع المعتدي هو إحدى الطرق للدفاع عن الذات. وتلك النظرية تتطابق بدورها إلى حدّ قاتل، مع واقعة الدكتورة اللبنانية المقيمة في الولايات المتحدة رشا علوية، التي تخلّت عن كل الامتيازات التي منحتها إياها بلاد «العم سام»، من دراسة ومأوى وعمل، مقابل حضورها مراسم تشييع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في الضاحية الجنوبية.

 

وبعد أن علمت وزارة الأمن القومي بذلك، استقبلها عناصر الوزارة في أحد المطارات الأميركية بـ«عراضة». حققوا معها لساعات، ثم أعادوها إلى لبنان. كما تدخّل البيت الأبيض بذاته من باب التشفّي، وخصّها بتغريدة على حسابه في «إكس» قائلاً: Bye Bye Racha.

 

اللبنانيون سبقوا السويديين بعقود، يوم لخّصوا تلك النظرية بجملة من 3 كلمات: «البس بيحب خنّاقه»… فتفكّروا يا أولي الألباب.