ذكّرنا سمير فرنجيه بدور للبنان أبعد من عقلية الناطور والمختار التي تحكم العملية السياسية الداخلية، وبالأحرى المماحكة السياسية البائسة، التي تحول النقاش السياسي إلى لعبة “بيت بيوت” يذكرها الطفل الكامن في كل منا.
ذكّرنا سمير فرنجية، في كلمته رئيسا منتخبا لـ”المجلس الوطني لمستقلي 14 آذار”، بأن لبنان طليعي في محيطه حين يبادر، ويستشرف ما يجب، ليكون للمنطقة مستقبل مختلف، ينقض التقوقع الطائفي الذي يشهده لبنان والإقليم. وإذا كانت دعوته إلى “انتفاضة سلام، تقودها قوى الإعتدال في المنطقة” فكرة قد تكون راودت كثيرين، فإن له الفضل الأول في كونه أخرجها إلى العلن، ووضع القوى غير الطائفية أمام مسؤولية إشهار ما تريد، والعمل في سبل تحقيقه.
لا تغضن دعوة فرنجية المعتدلين دفعا لهم إلى التخلي عن انتماءاتهم الطائفية، بل هي حض للجميع على استعادة هويتهم الوطنية، وتقديمها على الهوية الأدنى، أو التي يفترض أنها الأدنى في المجتمعات المستقرة. ألم يكن هذا الإعتدال والتخلي عن العصبية الطائفية ما حكم انتفاضة الإستقلال الأولى التي تجلت في راشيا عام 1943، وجاءت بالإستقلال، وكان حميد فرنجية، والد سمير، في طليعة رجالاتها؟ يومها لم يتخل بشارة الخوري عن مارونيته، ولا رياض الصلح عن إسلامه، ولا أحمد الأسعد أو صبري حمادة وعادل عسيران، وكميل شمعون، وعبد الحميد كرامي وسليم تقلا والأمير مجيد ارسلان وحبيب أبو شهلا عن دين كل منهم وإيمانه.
ربما هي المصادفة التاريخية، التي ستكون جديرة بالمراجعة إذا ما نجح “المجلس الوطني” في ما انتدب المستقلون أنفسهم له من دور لن يستقيم من دون مبادرة من بقوا خارج الأحزاب، من جهة، وخارج إطاره، من جهة أخرى. فبولادة المجلس لم يعد مقبولا القول بأن الأحزاب تحتكر القرار السياسي في قوى 14 آذار، وبات مطلوبا أن يتحول “رذاذ” الإعتراض المرشوش في جنبات المقاهي، وزوايا المنتديات، إلى سيل يصوب قرار الأمانة العامة، وربما سيصعب دورها كما توقع منسقها العام الدكتور فارس سعيد، ويضعها بين شاقوفي الأحزاب والمجلس الوليد.
ولادة المجلس الوطني، ليست حدثا قبل أن يبني هيكليته، ويُظهر دوره مرآة لجمهور 14 آذار المليوني، ومعبرا يجمع شتات رؤاهم للنهج الأمثل في استكمال معركة “انتفاضة الإستقلال الثاني”. وإذا كان انتخاب سمير فرنجية رئيسا طغى على الحدث نفسه، وإن اضاف له قيمة كبرى، معنوية وسياسية، فإن شائبة ظلت معلقة في الأذهان، رافقت ولادة الأمانة العامة ولحقت بـ”المجلس” هي تخلف “الصوت الشيعي” المستقل عن الإنضمام إلى الخطوة الجديدة، فلا هو “مأسس” رفضه “الثنائية الشيعية” وممارساتها، أو اعتراضاته على نهج 14 آذار ولا اندمج في أي هيكلية، لكأنه يتخذ دور المرحوم ريمون إده في الإعتراض بلا منهجية عمل.