Site icon IMLebanon

36 يوماً على الشغور الرئاسي في لبنان.. والمراوحة في نفس المكان -5-

 

حكومة رشيد كرامي تستقيل إثر مظاهرات نيسان 1969 دعماً للمقاومة

 

 

36 يوما على الشغور الرئاسي من دون أن يلوح في الأفق بصيص أمل بوضع نقطة النهاية لهذا الشغور، في وقت قد تلحق الجلسة التاسعة لمجلس النّواب المخصّصة لانتخاب رئيس للجمهوريّة، بالجلسات السابقة، بحيث قد يمضي شهر كانون الأول نحو بداية عام جديد والكرسي الأولى تنتظر سيدها لتنتظم الحياة الدستورية والسياسية والإدارية في لبنان والبدء بوضع العلاجات اللازمة للأزمات الحادّة التي تعانيها البلاد والعباد، معيشيا واقتصاديا وماليا وسياسيا، إذ أن لبنان على مرِّ تاريخه منذ زمن الانتداب الفرنسي حتى اليوم شهد أزمات كانت تنتج حراكا فاعلا، لكن هذا الحراك الشعبي في مواجهة شتى الأزمات لم يكن في المستوى الحالي من الانقسام والتشتت والضياع كما هو اليوم، حيث يسجل منذ العام 1943، إسقاط نحو 12 حكومة وعهدين تحت ضغط الشارع اللبناني، والاحتجاجات الشعبية.

 

اعتبر عهد الرئيس شارل حلو امتداداً لعهد فؤاد شهاب، ففؤاد شهاب هو الذي اختار شارل حلو، والأكثرية التي انتخبته رئيساً كانت أكثرية شهابية في المجلس النيابي. وقد احتفظ الرئيس حلو حوله بمعظم الموظفين والأعوان الذين كان الرئيس شهاب قد اختارهم ليعاونوه، كما اعتمد على المكتب الثاني لمساعدته في تنفيذ سياسته التي أكد في أكثر من مناسبة انها استمرار للنهج الشهابي.

فسياسياً، تعاون الرئيس حلو مع الرئيسين صبري حمادة ورشيد كرامي، ركني الشهابية الأساسيين، ومع الحاج حسين العويني القريب من الشهابيين، «كما حافظ على التوازن السياسي – الوطني الذي كان الرئيس شهاب قد أقامه بإشراكه كل من كمال جنبلاط وبيار الجميل في معظم حكومات العهد».

وإذا كان الرئيس شارل حلو يعترف بكلمة السر التي أطلقها الرئيس شهاب لانتخابه لسدة رئاسة الجمهورية، فإنه يؤكد بقوله: «لا أحفظ من قصة صعودي حتى رئاسة الجمهورية، سوى تسلسل عوامل ووقائع، قادتني من وزارة إلى أخرى حتى تم تعييني، أخيراً، المرشح الأفضل لتحمّل مسؤوليات الحكم العليا، ومهما كان رأي علماء الأسرار، فأنا لم أصغِ قط إلّا إلى (صوت) ضميري». وبالتالي فان الرئيس حلو أراد أن يفلت من ظل سلفه.

التطور النفسي في العلاقات ما بين الرئيس حلو والشهابيين السياسيين والإداريين والعسكريين، ما كان ليؤدي إلى الطلاق في أواخر عهده، لو لم تقع نكسة حزيران 1967 العسكرية التي غيّرت معظم المعادلات الاستراتيجية الدولية والإقليمية، وفي طليعتها المعادلة الناصرية – الشهابية التي كانت في أساس الاستقرار الوطني والسياسي في لبنان.

كانت حرب 1967، بدأت تترك تأثيراتها الكبيرة على لبنان، وبالتالي: فإنّ عهد الرئيس شارل حلو لم يعد عهداً سهلاً وهادئاً، فهزيمة عبد الناصر عام 1967، وبروز المقاومة الفلسطينية وتحوّل الحركات القومية والثورية نحو الراديكالية واتخاذها لبنان مركزاً لنشاطها، كل ذلك جعل فترة 1967 – 1970 فترة صعبة. فالوحدة الوطنية اللبنانية المرتكزة على التوازن الدقيق بين العروبية والكيانية، وبين المصالح الفئوية والطائفية، لم يكن باستطاعتها الصمود أمام ردود فعل الأجيال اللبنانية والعروبية إزاء هزيمة 1967 العسكرية. وكما ان التيار القومي الوحدوي – الاشتراكي شكّل ردّة الفعل الطبيعية على هزيمة 1948، فإنّ تياراً راديكالياً ماركسياً ثورياً ومعادياً «للامبريالية» الغربية ومركّزاً على الثورة الفلسطينية، أبصر النور بعد هزيمة 1967، متخذا من لبنان مستقرا ومنطلقا له، وعلى غرار أحداث في الخمسينات فقد اثار هذا التيار ردود فعل في الأوساط الرأسمالية والمتطلعة إلى الغرب، وترجمت احدى ردّات الفعل عام 1968، في قيام ما سُمّي بالحلف الثلاثي الذي ضم ثلاثة أحزاب مارونية هي الكتلة الوطنية (ريمون إده)، الوطنيون الأحرار (كميل شمعون) والكتائب (بيار الجميل).

منذ العام 1968، أصبحت مشكلة الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان الشاغل الأول للأوساط السياسية والدولة، ويقول غابي لحود: «كان هناك وضع متفجر، وكنا كلما عالجنا مسألة تطرأ مسألة، والحقيقة اننا كنا أمام أزمة لا يملك أحد حلاً لها، لا شارل حلو ولا رشيد كرامي، كان هناك تعاطف مع المقاومة الفلسطينية، الأحزاب والقوى التي كانت مؤيدة لعبد الناصر باتت مؤيدة للمقاومة الفلسطينية، الأحزاب اليسارية أيّدت المقاومة أيضا، ووجدت الوضع مناسبا لهزّ هيبة النظام على أمل تغييره، فشاعت المطالبة بإطلاق حرية العمل الفدائي، لم تكن الدولة راغبة في منع الفلسطينيين من ممارسة حقوقهم لاسترجاع أرضهم ولم تكن قادرة حتى لو رغبت، ولم يكن في استطاعة الدولة القبول بإطلاق حرية العمل الفدائي على مصراعيه لأنّ ذلك يعني إسقاط اتفاق الهدنة وهو الحماية الدولية الوحيدة لنا أمام إسرائيل التي هزمت الجيوش العربية في 1967، وهي قادرة على زعزعة الوضع اللبناني، وكنت أمام كل مشكلة أذهب إلى كمال جنبلاط رحمه الله، فكان ينصح بالمعالجة والتروّي.

 

وكما كان متعذّراً جمع اللبنانيين حول قرار إطلاق حرية العمل الفدائي كان متعذرا جمعهم حول قرار منعه الذي ما كان ليحظى بالتأكيد بأي دعم عربي إلى أن حصلت أحداث 23 نيسان 1969 واتضحت معالم المأزق».

لقد خطر على بال شارل حلو أن يتخلص من موقفه الحائر، ومن تلك الازدواجية، فلم يرَ مخرجاً سوى اللجوء إلى الاستقالة، لعل السياسيين والنواب يهبّون كما هبّوا في20 تموز 1962 يوم استقالة فؤاد شهاب، لكن ردة الفعل لم تحصل بالضخامة التي تمنّاها صاحب العهد، ولم يشعر بها الشعب اللبناني كما حدث يوم استقالة فؤاد شهاب.

ومن نتائج هذه الاستقالة انها ساعدت الرئيس شارل حلو على تأليف حكومة استثنائية من أربعة وزراء هم: الحاج حسين العويني، الدكتور عبد الله اليافي، بيار الجميل والعميد ريمون إده. غير ان هذه الحكومة ما لبثت أن استقالت اثر الاعتداء الإسرائيلي على مطار بيروت الدولي وتدمير عدد من طائرات الاسطول الجوي لشركة طيران الشرق الأوسط (الميدل إيست) وكلّف الرئيس رشيد كرامي بتأليف حكومة جديدة، إلا انه في ربيع عام 1969، وعلى اثر اصطدام بين المقاومة الفلسطينية وقوات الأمن الداخلي اللبنانية، وانطلاق مظاهرات شعبية كبرى في 23 نيسان تحت شعار حماية المقاومة، وسقوط ضحايا من المتظاهرين تبيّن أن قائد موقع بيروت العميد اسكندر غانم هو من أعطى الأوامر دون العودة إلى وزير الدفاع أو رئيس الحكومة، فأحيل إلى المعاش، وقدّم كرامي استقالة حكومته وانقسمت البلاد، فلم يشأ رئيس الجمهورية قبول الاستقالة أو رفضها، إذ أدرك ان البلاد كانت على حافة الهاوية وان كل محاولة أو مناورة سياسية تقليدية كان من شأنها نقض الميثاق الوطني وما يستتبع ذلك من أخطار، فاستمرت الأزمة نحو سبعة أشهر، بين حكومة مستقيلة ورئيس مكلف هو في ذات الحين رئيس الحكومة المستقيلة، هو الرئيس الشهيد رشيد كرامي.

يتبع