مع اقتراب احتياطي العملات الاجنبية الممكن استخدامها في مصرف لبنان من النفاد، تتجه الأنظار الى آلية الدعم الجديدة التي ترتكز على مبدأ البطاقة التموينية التي تؤمّن الدعم الى المحتاجين فقط، وحَجبه عن الميسورين الذين يستفيدون حالياً اكثر من الفقراء من آلية الدعم المعتمدة. فهل تنجح الآلية الجديدة؟ وما هي الاستعدادات القائمة للنجاح في إطلاق هذه الآلية؟
أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لوفد من الإتحاد العمالي العالم، أنّ مصرف لبنان يُعدّ العدّة لإطلاق البطاقة التموينية للمواطنين، موضحاً أنّ «البطاقة التموينية تنحصر بالعائلات المحتاجة، أي أنّ العائلة التي تملك على سبيل المثال 4 سيارات لا يمكن أن تحصل على 4 بطاقات تموينيّة بل على واحدة فقط، كما أنّ هذه البطاقة تؤمّن وصول السلع الأساسية إلى العائلات المحتاجة». وذكر سلامة أنّ مصرف لبنان «خَطا خطوات متقدّمة في البطاقة التموينيّة من أجل الحفاظ على ما تبقى من احتياطي بالعملات الأجنبية».
واذا كانت كلفة الدعم الذي يموّله مصرف لبنان لاستيراد المحروقات والدواء والقمح على سعر الصرف الرسمي للعملة المحلية تبلغ 600 مليون دولار شهرياً، فكم ستبلغ كلفة تمويل البطاقات التموينية؟ ومن سيتكفّل بالتمويل؟ وما هو عدد العائلات المحتاجة التي يمكن ان تستفيد من تلك البطاقات؟ وكيف ستتم عملية التصنيف؟
في هذا الاطار، سبق أن توقّعت الاسكوا، في دراسة لها عن الفقر في لبنان، أن يقفز معدل الفقر من 28 في المئة في العام 2019 إلى 55 في المئة في أيار 2020، مع زيادة في نسبة الفقر المدقع من 8 في المئة إلى 23 في المئة. وبذلك، يتوقع أن يصل العدد الإجمالي للفقراء من السكان اللبنانيين إلى 1.1 مليون نسمة بحسب خط الفقر الأدنى. وبحسب خط الفقر الأعلى من المتوقع أن يبلغ هذا العدد 2.7 مليون نسمة، بما يمثّل زيادة في عدد الفقراء قدرها 1.3 مليون نسمة مقارنة بالسيناريو المرجعي قبل جائحة كورونا وقبل انفجار المرفأ. ومن المتوقع أن تقابل ذلك زيادة في عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، قدرها 750,000 شخص.
ورجّحت الاسكوا انه اعتباراً من أيار 2020، ستواصل معدلات الفقر والتعرّض للمخاطر ارتفاعها نتيجة لزيادة التضَخم وتداعيات انفجار مرفأ بيروت، ما سيؤثر سلباً على مستويات الدخل وتوفر الغذاء والأسعار، بشكل رئيسي. وستكون قلّة قليلة فقط في منأى عن العواقب الوخيمة لهذه الصدمات المتعددة والمتداخلة التي تضرب لبنان.
وبالتالي، سيكون هناك أكثر من 3 ملايين شخص مُصنّفين ضمن خانة الفقراء، سيحتاجون الى البطاقات التموينية التي من المفترض ان تحلّ كبديل عن رفع الدعم عن استيراد كافة المواد الغذائية والاستهلاكية مع نهاية العام الحالي.
وقد دعت الاسكوا في هذا الاطار الى إصدار بطاقات إلكترونية للمساعدة الغذائية العينية وتوسيع نطاق برامج المساعدات النقدية لتيسير تأمين الاحتياجات الغذائية الأساسية للفئات الأكثر عرضة للمخاطر، ما من شأنه أن يضمن تغطية المساعدة للأغذية ذات الطاقة الغذائية العالية، وأن يمنع أسعار السوق من الارتفاع.
برنامج دعم الأسَر
وفي هذا الاطار، قال وزير الشؤون الاجتماعية السابق ريشار قيومجيان لـ«الجمهورية» انّ رفع الدعم عن استيراد السلع الاساسية يحتّم في المقابل دعم الفئات الأكثر فقراً، «لكن للأسف أضاعت الحكومة السابقة حوالى سنة كان يمكن التحضير خلالها لفترة رفع الدعم من خلال تفعيل برنامج دعم الأسَر الأكثر فقراً بالتعاون مع البنك الدولي، والذي هو الوسيلة الوحيدة المُتاحة اليوم للتعويض على العائلات المحتاجة بعد رفع الدعم.
ولفت الى انّ البرنامج يتضمّن بعض الشوائب، وبالتالي كان يجب العمل على تفعيله ليشمل شريحة اكبر من المستفيدين حيث انّ نسبة الفقر ارتفعت من 28 في المئة الى 60 في المئة اليوم، «وفيما كان البرنامج يغطّي 40 ألف عائلة، فإنّ 15 ألفاً منها فقط تحصل على بطاقة التغذية، وهي عبارة عن بطاقة ائتمانية برصيد يبلغ 162 دولاراً. امّا العائلات الاخرى فتحصل على تقديمات تربوية في المدارس الرسمية وطبابة تؤمّنها وزارة الصحة».
وشرح قيومجيان انه خلال تَولّيه وزارة الشؤون الاجتماعية، كانت المفاوضات جارية مع البنك الدولي الذي كان مستعدّاً لزيادة حجم الدعم لهذا البرنامج كي يستفيد منه عدد أكبر من العائلات، «وكان صندوق النقد الدولي منذ ايلول 2019 يحذّر من اننا مقبلون على كارثة اجتماعية، وعلينا تفعيل شبكة الامان الاجتماعي من خلال تفعيل برنامج دعم الأسَر الأكثر فقراً، وتضمينه عدداً اكبر من العائلات، أي رفعها من 15 ألفاً الى 200 ألف على سبيل المثال».
واكد قيومجيان انّ تمويل هذا البرنامج كان يعتمد على الدول المانحة وعلى البنك الدولي الذي أبدى استعداده لمنح قرض بقيمة 600 مليون دولار بفائدة منخفضة جداً، «لكنّ الحكومة السابقة تجاهلت هذا الموضوع وقررت، للأسف، توزيع مساعدات بقيمة 400 ألف ليرة لـ4 فئات من المجتمع بطريقة لم تطل الفئات الاكثر حاجة بل بقيت تعتمد على المحاصصة».
وأوضح انّ المجتمع الدولي، رغم انه يرفض دعم لبنان مالياً اليوم قبل تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، إلّا انه سيساهم بالتأكيد في تمويل برنامج دعم الأسَر الاكثر فقراً لأنه الركيزة الاساسية لتأمين شبكة امان اجتماعي كما يطالب به، «وبالتالي، يجب العمل فوراً على إحصاء عدد العائلات المحتاجة وإعادة تفعيل هذا البرنامج قبل رفع الدعم عن السلع الغذائية الاساسية، وهو أمر قد يولّد كارثة اجتماعية ما لم يتم تداركه مسبقاً».
مَن سيستفيد من رفع الدعم؟
من جهته، قال الخبير في الشؤون الاقتصادية في «الاسكوا» خالد أبو إسماعيل لـ«الجمهورية» انّ تحديد الافراد المستفيدين من البطاقات التموينية يجب ان يعتمد على مسح شامل لإحصاء عدد العائلات او الافراد الذين لا يمكنهم الحصول على الحد الأدنى من الغذاء الكامل اليومي، مشيراً الى انّ إحدى الوسائل التي تستهدف مساعدة الأسَر الأكثر حاجة هي البطاقات التموينية التي يتم استخدامها لشراء السلع الاساسية في حال كانت تخصّص مبالغ شهرية معيّنة، او انه يمكن ان تكون البطاقات تستخدم حصراً لشراء مواد غذائية او استهلاكية محددة بالاتفاق مع متاجر معيّنة تؤمّن، على سبيل المثال، حصصاً غذائية شهرية محددة لحاملي تلك البطاقات.
واعتبر أبو اسماعيل انّ مشكلة دعم المحروقات موضوع حساس لأنّ رفع الدعم سيؤدي الى ارتفاع كلفة المواصلات، الأمر الذي سيُترجم في مزيد من الارتفاع في اسعار مجمل السلع بما فيها السلغ الغذائية. في المقابل، اشار أبو اسماعيل الى انه لا يجوز ان يستمرّ الدعم ويتم استنزاف الاموال المخصصة له من اجل إفادة كافة فئات المجتمع، خصوصاً انّ الطبقة الميسورة هي الاكثر استفادة من دعم المحروقات.
وفيما اشار الى انه يجب توجيه الوَفر المحقّق من رفع الدعم نحو الطبقة الفقيرة، شدّد على ضرورة إجراء دراسة مسبقة تبيّن إيجابيات وافادة رفع الدعم على الأسَر الأكثر فقراً، «في حال تمّ ذلك وفق برنامج مساعدات ودعم اجتماعي ومالي بعيد من الفساد والمحاصصة والهدر».