IMLebanon

العقلنة أو “البغدادي”!

ما قاله وزير الداخلية نهاد المشنوق خلال حفل إحياء الذكرى الثانية لاغتيال اللواء وسام الحسن عن الأمن الذي يطبّق على قسم من الشعب اللبناني ولا يطبّق على القسم الآخر، يصف الواقع بالحد الأدنى. فلا هو تراجع عن قرار التهدئة السياسية مع “حزب الله”، وهو ما تعتبره الاسرة السياسية التي ينتمي اليها المشنوق انه المسؤول عن اغتيال وسام الحسن، ولا هو تصعيد في وجه طرف مسلح لم يتوقف يوما عن وضع نفسه وبيئته الحاضنة فوق كل قانون، ولا هو ثالثا محاولة لاستعادة شعبية تراجعت في البيئة الموالية لفريق نهاد المشنوق السياسي. انه بكل بساطة واقع الحال الطبيعي عندما تنمو دولة داخل الدولة، كالورم السرطاني، تنهش جسد الدولة. هذا ما يحصل في لبنان، وهذا ما سيحصل مستقبلا ما دام هذا الورم السرطاني قائما، وما دام بلا علاج. فإن لبنان سينزلق اكثر نحو الموت البطيء، وكل “تهدئة” لن تكون ممكنة في المستقبل.

ما قاله نهاد المشنوق هو أضعف الإيمان، وإن كنا على يقين بأنه لن يلقى صدى ايجابيا، ولن يردع الفئة التي انتهجت القتل والاغتيال والترويع والابتزاز السياسي والامني. هؤلاء يا عزيزي نهاد المشنوق لن يغيروا ولن يتغيروا، ومحاولات انقاذ البلاد من الجنوح نحو مواجهة شاملة في المستقبل لن تفلح، لأن يدا واحدة لا تصفق. ومع ذلك، وفوق كل الجراح، وفوق اليقين الراسخ بمسؤولية “حزب الله” منفردا او مشتركا مع اطراف آخرين في الاغتيالات، وآخرها اغتيال الوزير محمد شطح، نقول ان المصلحة الوطنية تقتضي الصبر وحماية “التهدئة” في مرحلة من أخطر المراحل التاريخية التي تشهدها المنطقة. فالمشرق العربي دخل حربا مذهبية دموية ستدوم عشرات السنين. وما ظاهرة “داعش” سوى الفصل الأول من حرب مذهبية مخيفة سيشهدها المشرق العربي. ولبنان في عين العاصفة، ووحدهم اهله قادرون على ان ينقذوا بلدهم من الانفجار الشامل.

بناء عليه، نقول انه يفترض بالمستائين من خطاب المشنوق ان يروا فيه محاولة من رجل مسؤول خائف على انهيار “تهدئة” هشة بسبب جنوح فريق اعتاد ان يقدس القتلة، وقلة اعتباره لأسس العيش المشترك، وان في ظل خلاف كبير وعميق باق ولن يزول قبل ان يتعقل أهل الجنوح. كلام المشنوق في نظرنا أقل من جرس إنذار، وأكثر من لفت أنظار الى حقيقة المشكلة. فهل يعقلون؟

إننا على يقين بأن شيئا لن يتغير في العمق، وبأن القديم باق على قدمه. ومع ذلك ندعو الى الحفاظ على “التهدئة” بكثير من صبر الاستقلاليين وتعقل اهل الجنوح في البلد. الحل الآخر لن يكون غلبة فريق على فريق، بل غلبة الجنون على حساب الجميع. ومن يضيق صدره بكلام هادئ ومسؤول وعاقل كنهاد المشنوق، فليجرب كلام “بغدادي” لبناني سيولد من رحم الجنوح والجنون إذا استمرّا!