… ويبقى في البلد نورٌ خفيفٌ أو بصيصُ نورٍ يتسرَّب باستغراب من كوة تفاؤل، على رغم كمية التشاؤم هذه الأيام.
قد يُفاجأ البعض ويسأل:
على أيِّ نورٍ تتكلَّمون؟
وأين تشاهدون كوة تفاؤل؟
عملياً، المتفائلون على حق، فما من تفاؤل ولا مَن يتفاءلون ولا شيء يدعو إلى التفاؤل ولا سيَّما في القضايا السياسية.
ولكن مَهلاً، أليس باباً من أبواب التفاؤل أن التقنين في ساعات التغذية بالكهرباء قد إنخفض؟
أليس وجهاً من وجوه السعادة أن تزورنا الكهرباء أكثر من مرة في اليوم على أقلَّه في بلدتنا الحازمية؟
شعرنا بأنَّ شيئاً تغيَّر، سألنا عن السبب فبَطُل العجب، ومن الأسئلة:
هل تمَّ إنجاز صيانة معامل التوليد؟
هل أُنجِزَت كامل الشبكة؟
هل اقتربنا من الإستغناء عن الباخرة التركية؟
هل من بشرى نزفّها إلى اللبنانيين بأنَّ صيفهم سيكون زاخراً بالكهرباء؟
هل سنتخلى رويداً رويداً عن مولِّدات الأحياء والشوارع والبنايات؟
ما أجملها هذه الأسئلة، فعلى الأقل نجد أجوبة لها وليس على غرار الأسئلة السياسية التي تشبه ضرب الرأس في الصخر.
***
وجاءت الأجوبة، وكانت المفاجأة عظيمة، إنَّه حلم ليلة ربيع فماذا في القضية؟
كلُّ ما في الأمر أنَّ المستهلكين مازالوا على حالهم وعددهم، لا بل يزيدون في بعض الأحيان بسبب النازحين السوريين، لكن كل الذي تغيَّر هو أنَّ الطقس الربيعيّ المنعش في لبنان يُعفي الكثيرين من إستخدام مكيِّفات الهواء، فشهر نيسان لا برد قارساً ولا حرّ لهَّاب، هكذا يستغني كثيرون عن التدفئة على الكهرباء أو التبريد على الكهرباء، فيخفُّ الإستهلاك، وحين يخفُّ الإستهلاك تكون الطاقة المنتجة من مؤسسة كهرباء لبنان قادرة على تلبية الحاجات أكثر مما لو كان هناك طلب كثيف بسبب التدفئة أو التبريد.
***
إذاً اللبنانيون في حلم ليلة ربيع، وهذا الحلم لن يطول لأكثر من شهر على أبعد تقدير، أي إلى قرابة الآخر من أيار حين يكون التنازع واضحاً بين الربيع الذي يلفظ أسابيعه الأخيرة وبين الصيف الذي يبدو مستعجلاً على الوصول، وعندها ينقلب الطقس المنعش إلى طقس حار وتعود المكيِّفات إلى فعل فعلها في التيار الكهربائي ويعود التقنين إلى سابق عهده وننتقل من حلم شهر ربيع إلى كابوس موسم صيف.
***
إنها الدوَّامة اللبنانية التي تجعلنا نصدِّق كلَّ بصيص نورٍ وكلَّ بصيص أمل، والغريق يتعلَّق بحبال زيادة ساعات التقنين مستفيداً من الأيام المنعشة لشهر الربيع والتي ليس فيها شيء منعش إلا الطقس، أما حرارة السياسة والإقتصاد والأوضاع المعيشية وسلامة الغذاء فليس فيها شيء منعش على الإطلاق.