يبدو أنّ وزيرة الداخلية ريّا الحسن مصرّة على افتتاح «موسمها» الوزاري بخرق «الحواجز» الاسمنتية في بيروت ومختلف المناطق المحظّر دخولها. كما تبدو طامحة أيضاً الى خرق «البلوكات المدنية» أو«الدينية»، التي لطالما اعتبرتها غالبية الفرقاء، بل ربما الفريق الذي تمثله هي شخصياً في الحكومة محظوراً.
الرد الاقسى جاء من «أهل البيت»، اذ أعربت دار الافتاء، بلسان المفتي عبد اللطيف دريان، الرفض المُطلق لمشروع الزواج المدني الذي يخالف أحكام الشريعة الاسلامية والدستور اللبناني، معتبراً ضمناً أنّ طرح هذا المشروع يكون في المجلس النيابي وليس في الاعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ولاقى المطران بولس مطر المفتي دريان في الموضوع «المثير للجدل» في عظته نهار الاحد، معتبراً انّه يؤدي الى «فرط اللحمة العائلية».
الّا أنّ الإستقبالات في الداخلية توحي بأن الموضوع قد يكون مُعدّاً للبحث به مسبقاً، لأنّ «عرّاب المشروع» وزير الداخلية السابق مروان شربل، كان له الاولوية على جدول مواعيد الوزيرة المتحمسة «الى العمل» بعد نيل الحكومة الثقة.
«الجيوش الالكترونية» سبقت شربل وعصفت على مواقع التواصل بين مؤيّد ومعارض، وانهالت التغريدات المناهضة أو المؤيّدة لخطوة الحسن، فيما صوّب البعض هجومه وفق اصطفافاته السياسية وليس العقائدية.
الجدير ذكره، انّ مشروع الزواج المدني سبق أن طُرح في عهد الرئيس الياس الهراوي ونال تصويت الاغلبية في مجلس الوزراء آنذاك. الاّ انّ المعارضة الشرسة من دار الافتاء يومها، دفعت الرئيس رفيق الحريري الى سحبه وعدم ارساله الى مجلس النواب للتصويت عليه وفق الأصول القانونية، علماً انّ حزب الكتائب كان اول من طرح مشروع «الدولة المدنية» والزواج المدني، وتلاه لاحقاً النائب ريمون اده، فالرئيس الهراوي، ليعود الوزير جبران باسيل الى طرحه عام 2017، حيث لاقاه الرئيس سعد الحريري مؤيّداً تشريع الزواج المدني في لبنان، دون ان يخفي عدم رغبته الشخصية في زواج ابنائه مدنياً.
اليوم تتعالى الاصوات المؤيّدة لقيام الدولة المدنية، ومن أبرز الأقطاب المؤيّدة، رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتغريدة من رئيس «حركة اللقاء الديمقراطي» وليد جنبلاط، الذي أيّد الزواج المدني الإختياري، داعياً لقانون أحوال شخصي مدني والكف عن استخدام الدين لتفرقة المواطنين.
رأي قانوني
في هذا السياق، يوضح الخبير القانوني بول مرقص لـ«الجمهورية»، انّ الاشكالية ليست في تسجيل الزواج المدني بموجب عقد خارج لبنان، انما في إمكانية اتمام مراسيمه في لبنان، بعد «السابقة» التي شرّعها وزير الداخلية السابق مروان شربل، في تسجيل بعض زيجات مدنية ضمن عقود عند كاتب العدل.
وفي السياق، أوضح شربل لـ«الجمهورية»، أنّ تلك العقود أُبرمت بعد استشارات قانونية عدة قام بها مع خبراء في أصول قوانين الاحوال الشخصية والمدنية.
لكن مرقص لفت الى أنّ هؤلاء لم يستطيعوا الاستحصال على إخراجات قيد رسمية رغم قرار الوزير شربل ومبادرة كاتب العدل، الاّ انّه (شربل) لا يمكنه فعل المزيد، موضحاً أنّ هؤلاء وقعوا أيضاً في ازمة لأنهم شطبوا طائفتهم، وليس هناك من تنظيم يعترف بـ»اللاطائفة» في لبنان، وبالتالي هم محرومون من حقوقهم المدنية كالترشح للانتخابات والتصويت. .الخ.
ويضيف، أنه ادارياً ليس هناك ما يسمّى «لا طائفة لديه»، وأنّ المشروع برمّته يلزمه تنظيم اداري ولا يكفي القرار الايجابي والجريء للوزير شربل او للوزيرة ريا الحسن، انما يجب على الوزارة مجتمعة ان تكون مقتنعة من إحداث «تنظيم داخلي» للمشروع، مع الاشارة الى قضية التوريث للأبناء وتسجيلهم، التي تبقى عائقاً اساسياً لتبنّي الدولة لهذا المشروع.
لكن الوزير شربل يستغرب كيف يمكن للدولة اللبنانية عدم الإعتراف بالزواج المدني، في وقت توافق على تسجيل زيجات عُقدت خارج لبنان. لافتاً الى أنّ العقود عند كاتب العدل ابّان عهده تُعتبر رسمية، بعد رجوعه الى وزير العدل شكيب قرطباوي، الذي شكّل هيئة اشراف عليا تألفت من ثلاثة من كبار قضاة لبنان من مختلف الطوائف.
واضاف، أنّه ابقى مفاعيل الزواج المدني من صلاحية الاحوال الروحية، وانما الطلاق فقط هو الذي يتم في محكمة مدنية. لكن الارث وكل الامور التي تنص عليها الكتب المقدسة فيعود فيها كل مواطن الى محكمته الروحية.
لكن مرقص كشف لـ«الجمهورية» عن قرار تشريعي في الدستور اللبناني يحمل رقم (RL60) وما زال صالحاً وهو صادر سنة 1936 وضعه المفوض السامي، يتحدث عن «الطائفة المدنية»، لكن هذه الطائفة لم يتم تنظيمها ادارياً، لذلك فإنّ الحل هو إما وجوب صدور قانون تنظيمي لمشروع الزواج المدني والميراث والطلاق والبنوة والابوة والارث والوصية.. الخ، اي مفاعيل تنظيمية للزواج المدني أي إخراج متكامل لتنظيم حقوق الزوج والزوجة والابناء، لأنّ الحقوق انشئت وكُرّست منذ سنة 1936، او اللجوء الى «الترقيع»، اي اللجوء الى عقود رضائية مشفوعة بتنظيم من وزارة الداخلية عن اقتناع وقبول عبر اجراءات داخلية من قبل الوزارة.
ويلفت مرقص، الى انّ عدد اللبنانيين الذين يعقدون زواجهم المدني في الخارج يقارب سنوياً الـ 2500 الى 3000 ثنائي، والرقم في تصاعد.
صلابة «الحسن»
امّا الوزير شربل فقال انّه شعر من خلال لقائه مع الحسن انها صلبة وعازمة على «العمل» واثبات وجود دور «الداخلية» واعادة ثقة المواطنين بالدولة و«بالداخلية» تحديداً، وهي مصرّة على تطبيق القوانين على كل المواطنين بالتساوي وعدم السماح لتدخّل السياسة في القضايا الامنية.
ونقل شربل عن الحسن، انها لم تعلن نيتها اطلاق الزواج المدني، انما رداً على سؤال مطروح حول الخلاف في لبنان على هذا المشروع اجابت بكل بساطة، بأنّ الموضوع يستحق النقاش والحوار. متسائلة اذا كان الحوار ممنوعاً؟
يقبّل يدها!
عند زيارتها، حاول الوزير شربل التَقيُّد بـ«البروتوكول المُقدّس» بالنسبة اليه، وتقبيل يد الوزيرة الحسن التي سحبت يدها فوراً، فيما تباهى هو في خطوته التي قام بها على مرأى الضباط ومن حضر.