برّرت وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ريّا الحسن عنف وحدة مكافحة الشغب في قوى الأمن الداخلي ضد المواطنين المحتجين على سياسات النهب المصرفي بحجة أن الشباب الطيبين تعبوا. لكن وصف التعبان في لبنان يحمل معاني مختلفة، فأيّ من هذه المعاني كانت تعنيها معاليها؟
يحق لرجال القوى الأمنية ونسائها أن يتعبوا، فكلّهم في نهاية المطاف بشرٌ وإن تصرّف بعضهم أحياناً كالوحوش. هم يشقون ويجهدون ويعانون، وفوق كل ذلك هم موظفون في الدولة اللبنانية المفلسة والتي قد تتوقف عن دفع معاشاتهم ومستحقاتهم في أي وقت، ولا يمكننا أن ننسى أنهم أيضاً مواطنون لبنانيون، أي أنهم يتحملون كل العناء الذي يعيشه المواطنون والمقيمون الآخرون في بلاد الأرز. التعبان في هذه الحالة هو عكس المرتاح، وأشك أن أيّاً منّا مرتاح في هذه الأيام، وإن وُجِد مرتاحٌ بيننا فليستتر رأفةً بالتعبانين أولاً، وحمايةً لعظامه ثانياً لأنّ وزيرة الداخلية برّرت للتعبانين تكسير العظام.
لكن تعب التعبان ليس بالضرورة نتيجة جهد. قد يكون فريق كرة القدم الذي تشجعه «تعبان»، أي لا يفوز أبداً، لأنه لا يجهد كفايةً. هو مجرّد فريق فاشل، مثل فريق ميلان الإيطالي الذي تُنفَق عليه الملايين من دون جدوى، أو إدارة الاتحاد اللبناني لكرة القدم التي تحرم جمهور الكرة اللبنانية من الدوري، والرياضيين من سنة من حياتهم الرياضية التنافسية. وهناك الإدارة التعبانة للأعمال التي تفلس الشركات، وهنا يجب تصنيفها إذ تقع تحت مستويات مختلفة. مثلاً، أن يفشل الرفيق عامر محسن في مشروع المزرعة التي يقوم بإنشائها ويريد أن يقيم فيها بعيداً عن «صخب» مدينة صيدا، فهذا لأنه مدير أعمال «تعبان». أما أن يفلس فلانٌ صيداويٌّ آخر شركاتٍ في السعودية وتركيا والأردن رأس مالها مليارات الدولارات في دوره كرجل أعمال، ويفلس دولةً في دوره كرئيس حكومة، فهذا الشيء ليس «حبّة وحبتين»، فذلك لأن هذا الفلان تعبان أسطوري.
هناك أيضاً التعبان على نفسه، وهو من يبذل جهداً كبيراً على صورته والترويج لنفسه بهدف الارتقاء في العمل والمجتمع. فهو يعمل على تطوير الذات وكيّ الملابس وصبغ الشعر، على أمل أن تكافأه الظروف بما يليق بطموحه. طبعاً، لا يمنع أن يكون الشخص «تعبان على نفسه» وأن يصل إلى مناصب عليا قد تكون رئاسية حتى، ليظهر بعدها أنه رئيس تعبان. لا أعرف أحداً يطابق هذه المواصفات، لكن قد يظهر أحد في الأيام أو الأسابيع القادمة.
أكثر حالات التعب شيوعاً في بلادنا هي تعب الوضع. لا أعرف إن كان الأكبر منّي سنّاً قد اختبروا جواباً مختلفاً، لكن على مدى أربعة عقود من عمري لم أسمع جواباً عن سؤال «كيف الوضع؟» إلا «الوضع تعبان». الوضع قد يكون أمنياً أو اقتصادياً أو مالياً أو عائلياً أو عاطفياً، لكن التعب لا يكلّ من ملاصقة الوضع. الاستثناء الوحيد كان وضع الليرة وفقاً لرياض سلامة، لكن اليوم اتّضح للجميع أنه كان يكذب طوال الوقت، لكنّي أكيد أنه عدل اليوم عن الكذب وسوف يصدُق معنا في العقود الثلاثة المقبلة من ولايته.
بعيداً عن الكذب، وبالعودة إلى تعب قوى الأمن، قال المدير العام لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان (عذراً لا أعرف رتبته العسكرية، ولا أعرف قراءة النجوم والأكاليل التي تتزيّن بها أكتاف العسكر، ولا تعنيني، فأنا مواطن مدني لا تزيّن كتفي إلا بضعة رضوض ناتجة من تعب قوى مكافحة الشغب أمام ثكنة الحلو) إن ما يقارب ثلث عديد وحدة مكافحة الشغب الـ 1500 معطوب من جرّاء الإصابات التي تلقاها عناصر هذه الوحدة في الأشهر الثلاثة الماضية. كما قال إن 26 عنصراً أصيبوا مساء الأربعاء قبل أن يصدر القرار بفض الاحتجاج، وإن ما يقارب الستين عنصراً أصيبوا في ملحمة الحمرا ليلة الثلاثاء. لن أشكّك بالأرقام التي أعلنها الرفيق عثمان (الرفيق في دوائري هي تعبير عن الاحترام والمساواة الإنسانية بيننا، وهي حتماً أعلى من رتبة المؤسسة العسكرية، فلا أظن أنها ستزعجه)، بل تدفعني إلى الاقتناع بادّعاء وزيرة الداخلية أن قوى الأمن تعبانة، وأنها كانت تعني أنها فاشلة. لا أعرف إن كانت تنقصهم تدريبات حمائية أو أنّهم لا «يحمّون» قبل أن يهمّوا بالهجوم، لكن هذا العدد المرتفع من العطب في مؤسسة يفترض أن تحمي الشعب يقلقني.
إذا كانت المفرقعات هي ما يهدد أمن قوى الأمن، فمِن الأجدى حلّ هذه القوى لأنها فعلاً تعبانة
كنت شخصياً موجوداً على الأرض ليلتَي الثلاثاء في الحمرا والأربعاء أمام ثكنة الحلو، وشاهدت عن قرب اعتداءات المواطنين على الوطن. كانت هناك بعض الشعارات التي قد تجرح أحاسيس بعض العناصر، لكن لا أظنها تصل إلى حدّ إخراجهم من الخدمة. علت الهتافات، ولكن لم يصل الضجيج إلى مستوى يثقب طبلة الأذن، فيمكننا القول إن من الصعب أن تكون هذه الإصابة هي التي أعطبت ثلث مكافحي الشغب، لكن كإجراء وقائي يمكن وضع قطعة قطن في آذان العناصر لحمايتهم من ضجيج المحتجين وأوامر أسيادهم (على فكرة، «أمرك سيدنا» هي أكثر عبارة إذلالاً سمعتها في حياتي وقد تسبب تعباً عند العناصر الذين يرددونها، لكن هذا موضوع للاختصاصيين). عدا عن الهتاف، استخدم المحتجون قذائف من عيارات متنوعة من عبوات المياه البلاستيكية، إلى الحجارة والمفرقعات. عبوات المياه البلاستيكية هي من أكبر المشاكل في لبنان لأن، أولاً، الدولة اللبنانية لا تؤمّن توصيل مياه صالحة للشرب إلى منازل المواطنين كما يجب أن تفعل، وثانياً لأن البلد يعاني من مشكلة معالجة النفايات، والعبوات البلاستيكية ترف لا مكان له هنا. لكن كسلاح، لا أظن أن أحداً يصدّق أن قنينة بلاستيك تعطب عسكرياً. الحجارة مؤذية، لكن الخوذات التي يعتمرها عناصر مكافحة الشغب مصنوعة من مادة لا يخترقها الرصاص، والواقي الشفاف للوجه هو من مادة البوليكاربونات التي لن يخدشها حجرٌ.
تبقى المفرقعات أو الأذيّة الذاتية. أنا شخص أَخرَق يتعثر بظله، فأتفهّم، لا بل أتضامن مع إخواني الخُرق، لكن لا أظننا مؤهلين لنكون عسكراً. فإن كانت إصابة ثلث وحدة مكافحة الشغب هي من التعثر في محاولة مطاردة محتجين، فهذه مصيبة. أما إذا كانت المفرقعات التي كانت أمهاتنا تأتمننا على استحواذها قبل سن العاشرة، وهنّ مدركات جيداً أننا خُرق، هي ما يهدد أمن قوى الأمن، فمِن الأجدى حلّ هذه القوى لأنها فعلاً تعبانة.
من ملف : تأليف الحكومة: بقيت عقدة فرنجية؟