يصح إطلاق اسم متحف التخريب اللبناني الدائم على محطة القطار في رياق. هذه المحطة التي أنشئت في نهاية القرن التاسع عشر وجرى تطويرها بعد الحرب العالمية الأولى شكلت موقعاً اقتصادياً وتجارياً وسياحياً في وسط سهل البقاع، ومحطة وصل بين دمشق والشمال السوري وبيروت على ساحل المتوسط.
أول ما يلفت النظر لدى الوصول إلى الموقع اليوم بقايا قاطرات ومقصورات منكوبة بسارقي الحديد وصدأ السنين. وفي المحطة ستة أو ثمانية مسارات للقطارات المتحركة شمالاً وشرقاً وغرباً، لم يتمكن تجار الحديد من سرقتها كما جرى في البقاع الشمالي وغيره، ولم يسعف المكان تجار البناء ومالكي المنتجعات في وضع اليد كما حصل على خط السكة الساحلي، ربما لأنّ محطة رياق تقع في نطاق ثكنة الجيش اللبناني وقاعدته الجوية.
تحكي مباني المحطة المبنية على الطراز الأوروبي تاريخاً ضاجّاً بالحياة. لا تزال جدرانها وسطوحها قائمة وقد تحولت مرتعاً للشتول والأشجار البرية، مثلها مثل مباني السكك الحديد في بيروت أو محطة القطار في الميناء.
دمرت كل هذه المعالم تدريجياً بعد اندلاع الحروب اللبنانية المديدة. كان لدى الفاعلين في تلك الحروب، رغبة بتدمير كل ركائز الاقتصاد. في الآونة نفسها تقريباً حل الخراب بمصفاة طرابلس وقيل أن إحدى الجبهات «التحريرية» تولت قصفها وإحراقها. كانت المصفاة التي تستقبل النفط العراقي مؤسسة محترمة، يطمح كثيرون للعمل فيها منذ اسستها شركة النفط البريطانية، لكن الحرب ضد الامبريالية اقتضت تدميرها. في وقت لاحق دمّر القصف والمعارك مرفأ بيروت فتقاسم موجوداته الناهبون، وبعد وقت أحرِقت خزانات الدورة، فيما كان وسط العاصمة يُدمّر وينهب منهجياً، قبل أن يحلّ سلامٌ سيشهد الانفجار الأكبر الذي دمر المرفأ البيروتي واحياءه القريبة والبعيدة.
لا يسعك وأنت تتأمل قطار رياق ومحطته سوى أن تسترجع شريطاً من التخريب المنهجي لكل معالم وركائز بلد كان قادراً بالتأكيد على النهوض ليكون على صورة بلدان متقدمة، وليس مقيماً في حفرةٍ تزداد عمقاً يوماً بعد يوم.