استنادا للمادة 34 من احكام مختلفة لتطبيق المرسوم الاشتراعي 111 الصادر في العام 1959 “في حال غياب المدير او رئيس الوحدة ينوب عنه في كل ما ليس له صفة تقريرية من اعماله او صفة شخصية اناطها به القانون، مرؤوسه الاعلى رتبة وذلك بعد موافقة الرئيس المباشر للموظف الغائب”، لكن تماشياً مع الفوضى المستشرية صار تطبيق القانون انتقائياً في الوزارات وخاضعاً لاعتبارات سياسية أكثر منها ادارية منصفة للموظف.
وهذا ما شهدته وزارة الطاقة والمياه مؤخراً مع شغور منصب رئيس مصلحة التجهيز الكهربائي بحكم بلوغ شاغله السن التقاعدي والمعمول به منذ سنوات طويلة، ان شاغل هذا المنصب عادة ما يكون من الطائفة الدرزية. حسب القانون يفترض ان يخلفه الموظف الذي يليه والمؤهل للحلول مكانه، وحسب العرف الطائفي المعمول به يفترض ان يكون من طائفة الموحدين الدروز، لكن كانت المفاجأة لدى الموظفين ان وزير الطاقة ريمون غجر كلف بالمهمة موظفاً من الطائفة المارونية بحجة أن لا وجود لموظف درزي مؤهل للتعيين في المصلحة ذاتها ولا يمكن الاستعانة بموظف لملء الشغور من مصلحة اخرى فتم تعيين موظف مسيحي. وذلك خلافاً للقانون الذي يمنع عادة الاستعانة لملء الشغور في مصلحة من مصلحة ثانية.
ولأجل حظ غجر العاثر، حصل في الوقت نفسه، في وظيفة من الفئة الثانية، أن شغر منصب رئيس مصلحة الديوان الذي كانت تشغله موظفة من الطائفة المارونية توفيت بسبب كورونا فعمد إلى استبعاد خيار التراتبية الذي يقضي بتعيين موظف بديل عنها صودف أنه من الطائفة الدرزية وله الحق وفقاً للقانون بأن يحل محلها، لكن غجر حرمه من هذا الحق وبادر إلى تعيين موظفة محسوبة طائفياً على تياره السياسي، ما اثار بلبلة داخل أروقة المصلحة وسط تساؤلات عن كيفية إقدام الوزير على رفض تعيين موظف من الطائفة ذاتها في مصلحة الديوان بحجة عدم امكانية الاستعانة بموظف من مصلحة أخرى، بينما هو نفسه اقدم على الفعل ذاته في مصلحة التجهيز الكهربائي للاحتفاظ بالمنصب من حصة “التيار الوطني” المسيحية وفي المقابل حرمان موظف آخر من الحق الذي يجيزه له القانون؟
وتبرير عدم امكانية الاستعانة بموظف من مصلحة ثانية الذي تذرع به الوزير، وهو صحيح بالقانون، عاد وناقضه مجدداً وفق مصادر داخل الوزارة قبل نحو شهرين عندما شغرت رئاسة مصلحة التصميم وتم تكليف موظفة برئاستها من خارج المصلحة. وبعد مراجعته من قبل المعنيين كانت حجة ريمون غجر “لم اجد موظفاً درزياً في المصلحة التي شهدت شغوراً” فقيل له لديك موظف درزي في مصلحة اخرى فلم لم تنقله؟ اجاب: “لا احبذ الاستعانة بموظفين من خارج مصلحتهم!”.
وأثار ما حصل استياء “الحزب الاشتراكي” الذي راجع الوزير غجر فكانت حجته عدم امكانية التراجع وتصحيح الخلل ملمحاً إلى إمكانية التراجع عن خطوته وإصلاح الخلل الحاصل بعد عدة أشهر، الأمر الذي رأت فيه مصادر “الاشتراكي” تهرباً من مواجهة الحق والحقيقة في خطوة انتقائية تعكس مفهوم “المعايير الموحدة” لدى وزراء “التيار الوطني الحر” لكن انطلاقاً من “الكيل بمكيالين” في تطبيق القوانين، فحين يكون تطبيق القانون لمصلحته يحترم مبدأ المعيار الواحد وحين لا يكون كذلك يضرب به عرض الحائط”. وتسأل المصادر: “لماذا رفض الوزير التعيين من خارج المصلحة حين كان يفترض ان يعين درزياً، فيما استعان بموظف من خارج المصلحة عندما كان المنصب يطال أحد الموظفين المحسوبين طائفياً على التيار، ألا يعد ذلك إخلالاً بالمعايير الوظيفية والطائفية الموحدة؟”.
المشكلة في لبنان هي عدم الاحتكام للقانون ورفع مستوى المعايير الطائفية وحساباتها على حساب سيادة القانون، وهذا الامر لا يقتصر على وزارة الطاقة انما هو معمم في عمل الادارات حيث القاعدة الأساس هي 6 و6 مكرر ودائماً ما يتلطى البعض بمقدمة الدستور والعيش المشترك على حساب الكفاءة في الادارة اللبنانية. وتبقى العلة الأولى والأخيرة، الكيديات والمحسوبيات السياسية، والامعان في ضرب القوانين، ولنا في التعيينات وفي كل مجالات الادارة أكثر من شاهد ودليل على ذلك.