Site icon IMLebanon

وعود الرزاز أفرغت شوارع عمّان من المتظاهرين

 

نجح العاهل الأردني عبدالله الثاني في امتصاص نقمة المتظاهرين باختيار الدكتور عمر الرزاز رئيساً لوزراء المرحلة المقبلة. وكانت الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك شهدت في شوارع عمّان وغيرها من المدن تظاهرات عاصفة شبيهة بتظاهرات «الربيع العربي» التي دمرت دولاً، وأسقطت حكاماً، وخلقت نزاعات وحروباً تصعب معالجتها.

 

 

وبما أن العامل الاقتصادي كان الدافع الأساسي لنزول المحتجين الى الشوارع، فقد باشر الرزاز مهمته بإلغاء مشروع قانون الضرائب المرتفعة، في حين قبل الملك استقالة حكومة هاني الملقي بغرض إحداث صدمة سياسية تساعد على استيعاب ما خلفه قانون الضريبة وارتفاع الأسعار.

 

الحراك الشعبي الأردني فرض تحركاً خارجياً، الأمر الذي حض السعودية والكويت والامارات على دفع مساعدة عاجلة بقيمة بليوني ونصف بليون دولار. واعتُبِرت تلك البادرة المتواضعة بمثابة إيذان بعودة العلاقات الأخوية عقب انقطاع طويل.

 

التظاهرات الشعبية الحاشدة خلت هذه المرة من لغة الاستفزاز والتحدي. وقد قوبلت من طرف الأجهزة الأمنية بكل هدوء وتفهم. خصوصاً بعدما استخدم المحتجون آلات الطرب، كالعود والطبلة، للتعبير عن مطالبهم المحقة. لذلك عاملهم رجال الأمن بأقصى درجات الاحتمال على كل الاحتجاجات التي صدرت عن رافعي العلم الأردني والمنادين بطول عمر الملك.

 

ويبدو أن الاسرائيليين قد تأثروا بالطريقة التي استوعبت فيها الدولة الأردنية احتجاج المحتجين، فكتبت صحيفة «هآرتس» مقالة طالبت فيها أجهزة الأمن الإسرائيلية بضرورة الاقتداء بهذا السلوك الودي بين الدولة والمواطنين.

 

كذلك اغتنمت مجلة «إيكونوميست» تلك الاضطرابات لتكتب أن رئيس الوزراء المُقال جاء إلى الحكم بطلب من الملك عبدالله الثاني بهدف إنقاذ الأردن من الإفلاس. لكن الأزمة السياسية بلغت ذروتها مطلع هذه السنة بسبب احتجاج الجماهير على تطبيق جباية الضرائب ورفع أسعار السلع المختلفة. لهذه الأسباب وسواها اضطر العاهل الأردني الى استبدال هاني الملقي بعمر الرزاز.

 

اعترف الرزاز بأنه لا يملك عصا سحرية تحل مــــشكلات الأردن المكدسة منذ سنوات. وربما قرأ الملك الدراسة التي كتبها هذا السياسي الإصلاحي عن «الربيع العربي.» وقد اختار لها عنواناً جذاباً يقول: «الطريق الصعب نحو عقد اجتماعي جديد». ونالت تلك الدراســة جـــائزة أفضل بحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية من المركز العربي للأبحاث في الدوحة.

 

المشهد المعيشي الخارجي يشير إلى اتساع الهوّة التي تفصل بين الأثرياء من أهالي عمّان والفقراء من أهالي القرى المتاخمة. أي بين الذين يملكون والذين لا يملكون. وفي الوسط يظهر الشبان والطلاب والعاطلون عن العمل. وقد ازدادت أعدادهم في حين ازدادت حاجة الفلسطينيين الذين استقبلهم الأردن في مطلع التسعينات يوم طردتهم دولة الكويت بسبب تعاطف ياسر عرفات مع صدام حسين. وكان عددهم في ذلك الوقت أكثر من ثلاثمئة ألف نسمة. وقد تضاعف ذلك العدد بحيث تغير المثل القديم القائل: كل أردني ثاني هو فلسطيني. بينما اليوم يُقال: كل أردني ثاني هو لاجئ من سورية أو من العراق.

 

سياسة المعابر المفتوحة في الأردن رفعت عدد اللاجئين السوريين إلى 660 ألف نسمة، وفق أرقام الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لكن هذا العدد ارتفع خلال السنتين الأخيرتين، على الرغم من مراقبة الدولة لمخيمات الزعتري والأزرق والمخيم الإماراتي في الزرقاء. ويأوي مخيم الزعتري نحواً من 80 ألف لاجئ، الأمر الذي يجعل منه رابع أكبر مدينة أردنية. ويكفي أن نذكر أن عدد الأطفال السوريين في الأردن بلغ 330 ألف فرد، لكي نتصور كمية المياه التي يستهلكونها مع ذويهم الذين يؤلفون شريحة بشرية ضخمة تعدت مليون ونصف مليون نسمة.

 

المحامي اللبناني رشيد درباس، الذي شغل منصب وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة الرئيس تمام سلام، زار مخيم الزعتري تلبية لدعوة رسمية. وعاد من الأردن معجباً بحسن التنظيم، وقدرة الأمن العام على إصدار ملف كامل عن كل لاجئ، وعن مكان إقامته سابقاً، وعن نشر رقباء دائمين يتابعون تحركات كل نازح سوري. وقالوا في تبرير كل هذه الإجراءات إنهم اكتشفوا بعض المتسللين لافتعال أعمال شغب لمصلحة «داعش». لذلك أغلق الأردن كل المعابر الحدودية المفتوحة مع سورية.

 

عام 2015 أظهرت نتائج التعداد السكاني في الأردن أن اجمالي عدد المواطنين بلغ تسعة ملايين ونصف المليون. وكان ذلك التعداد العام السادس منذ عام 1952. وقد شكلت موجات النزوح المتواصلة أحزمة بشرية من الفلسطينيين والعراقيين والسوريين لم تلبث أن أرهقت مشاريع البنى التحتية، ورفعت حجم السكان في العاصمة الى أربعة ملايين ونصف مليون.

 

يجمع المراسلون في الأردن على القول إن مصادر الدخل محدودة. فالمملكة تعتمد على المساعدات المالية الخارجية. وتمثل الولايات المتحدة في هذا المجال مصدراً أساسياً، إضافة إلى مساندة عدد من الدول الأوروبية وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، واليابان، ومؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي.

 

من هنا يرى الخبراء أن إقالة رئيس الحكومة هاني الملقي قد تساعد على تهدئة الأوضاع، ولكن الرئيس الجديد الرزاز لا يملك عصا سحرية لإعادة العافية الى بلد بلغ دينه أربعين بليـــون دولار، في وقت يشترط عليه صندوق النقد الدولي خفض العجز في الموازنة للحصول على قروض.

 

علماً أن مجلس التعاون الخليجي كان قد قرر منح الأردن خمسة بلايين دولار على مدى خمس سنوات. ويتردد في عمّان أن هذا الوعد لم يتحقق بسبب انخفاض أسعار النفط.

 

في شهر تموز (يوليو) الماضي قام صنوق النقد الدولي بمناقشة الوضع الاقتصادي – الاجتماعي داخل الأردن. وفي البيان الختامي أعرب الصندوق عن قلقه من نتائج أزمة البطالة التي وصلت إلى ثلاثين في المئة بين جيل الشباب. ومعنى هذا أن الأزمة تجاوزت كل الخطوط الحمر بحيث تصبح شوارع العاصمة والمدن الأخرى ساحة مشرّعة للمحتجين والمضربين، لأنها بلغت درجة الغليان.

 

ومن خلال هذه الثغرة الاجتماعية، حاول أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني توفير فرص عمل في بلاده لعشرة آلاف شاب وشابة، زائد استثمار نصف بليون دولار في مشاريع اقتصادية يحتاج اليها الأردن. وبادر وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الى زيارة عمّان فور إقالة هاني الملقي، حيث استقبله الملك عبدالله الثاني. ورأى المعلقون في هذه البادرة رداً متأخراً على موقف الأردن، لأن الملك كان اكتفى من مقاطعة قطر بخفض مستوى التمثيل الديبلوماسي معها فقط.

 

بقي السؤال المتعلق بدور الولايات المتحدة، وهل مارس الرئيس دونالد ترامب بعض الضغوط الاقتصادية من أجل إقناع العاهل الأردني بالموافقة على تنفيذ «صفقة العصر»، أي الصفقة التي اعترفت فيها واشنطن بالقدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، في مقابل الاعتراف بقطاع غزة موطناً شرعياً للفلسطينيين.

 

عن هذه المسألة الخطيرة، تقصّد الملك عبدالله الثاني الإعراب عن رفضه الدائم للموافقة على صفقة مرفوضة من حكام وشعوب ثلاثة بلايين مسلم ومسيحي. لهذا تعمد حضور مؤتمرات التنديد بسياسة ترامب، مثل مؤتمري اسطنبول الأول والثاني.

 

في رده على كتاب التكليف من قبل العاهل الأردني، تعهد عمر الرزاز بمراجعة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السابقة، وبتحسين واقع الاقتصاد الوطني، وبتوفير فرص العمل لجيل كامل يعاني من البطالة. أما بالنسبة إلى الجانب السياسي من برامج الحكومة، فقد تعهد الرزاز- بتوجيه من الملك- بدعم القضية الفلسطينية، والحفاظ على الوضع القائم في القدس. كما أكد التزامه الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، وصولاً إلى إحقاق قرارات الشرعية الدولية بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

 

ويُستدَل من مراجعة هذه الالتزامات الوطنية أن الأردن يرفض سلب القدس من أصحابها الشرعيين، وأن فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة لا تزال حية في برنامج كل حكومة أردنية جزءاً لا يتجزأ من سياسة الدولة.

 

ويرى مراقبون أن رئيس الوزراء الجديد نجح في أول اختبار له عندما قرر سحب مشروع قانون الضريبة، الأمر الذي أعاد الهدوء الى الشارع. ووعد في أول تصريح له بضرورة فتح حوار وطني مع مختلف القيادات الحزبية والسياسية بهدف وضع قانون بديل، وصفه بأنه سيكون «متوازناً وعادلاً.»

 

وترى مجلة «ذي ايكونوميست» أن الأمور في الأردن تفاقمت في السنتين الأخيرتين، خصوصاً بعد تقديم الحكومة المُقالة مشروع قانون ضريبة دخل غير عادل. لذلك التقت كل طبقات الشعب على رفضه، الأغنياء والفقراء.

 

والرزاز الذي كلفه الملك بتصحيح المسار، كان يشغل منصب وزير التربية والتعليم في حكومة سلفه الملقي. وهو من مدينة السلط، يحمل درجة دكتوراة من جامعة هارفرد في التخطيط والحقوق. وكل ما يطلبه المواطنون منه السعي إلى تغيير النهج المتبع، وإعادة إنتاج سياسة اقتصادية جديدة.

 

* كاتب وصحافي لبناني.