ليس أخطر من الشغور الرئاسي الذي دخل عامه الثالث سوى التكيّف معه. ولا أسوأ من التكيّف سوى التصرّف على أساس اننا نواجه قدراً لا يرد، مع معرفتنا انه خيار قوى لديها أجندة مختلفة عن خطابها الناعم. فالكل تقريباً يقرع أجراس الخطر من دون أن يتبدّل شيء في عقدة الاستحقاق الرئاسي. والكل يعرف ان ما يرافق ثبات المواقف التي صنعت العقدة ولا تزال تحرسها، هو تآكل البقية الباقية من مناعة لبنان، وتسارع خطواته على طريق انحداري سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
ذلك أن خطاب الخارج يبدو أكثر إلحاحاً من خطاب الداخل على دفعنا الى ممارسة واجبنا في انتخاب رئيس للجمهورية. وأقل ما نبرر به عجزنا هو انتظار تطورات المنطقة أو أقله الرهان على جهود الخارج مع طهران والرياض.
وليس مجرد كلام مناسبات ما جاء في البيان الذي أعلنته باسم الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني. فالاتحاد يحث مجدداً القوى السياسية على وضع المصالح الحزبية والفردية جانباً وايجاد تسوية تتيح انتخاب رئيس. وهو يؤكد ان لبنان لا يستطيع أن ينتظر ايجاد حلول لمشكلات المنطقة ليجد حلاً للأزمة السياسية. لكن المرجعيات والقيادات اللبنانية تتصرف كأن لبنان يستطيع وكأن الخطاب عن بلد آخر. لا بل ان التركيبة السياسية تسمع اعتراف الرئيس تمام سلام بأن حكومته هي أفشل حكومة في دولة فاشلة، فلا تفعل شيئاً كأنها جالسة في مسرح وما تسمعه نص في مسرحية.
وآخر ما يمكن الأخذ به هو القول إن الشغور الرئاسي ورقة لها وظيفة في المعركة الرئاسية الأميركية ثم في التعاطي مع الادارة الجديدة. فالرئيس اوباما يقول إن أميركا لا تحتاج الى الشرق الأوسط كما فعلت من قبل، ولا تستطيع حل مشاكله. واذا كنا عشية صيف حار كما توحي القراءة في حرب سوريا، فإن السؤال البسيط هو: هل نواجه التحديات بجمهورية مقطوعة الرأس ومجلس نيابي معطل وأفشل حكومة؟
الحدد الأدنى لمواجهة التحديات هو اعادة تكوين السلطة. وهي مسألة لا تعرقل اللعبة الجيوسياسية في المنطقة، لأنها مجرد حاجة لتسيير آلة الحكم. أما الحرص على استمرار الشغور الرئاسي فإنه رهان على أن تقود التحولات في حرب سوريا والعراق واليمن الى اعادة تكوين النظام، وهذه مسألة أكبر من أي طرف، وخصوصاً اذا كانت مجرد تغيير توازنات في النظام الطائفي.
دروس الواقع امامنا ولا حاجة الى التذكير بقول انشتاين إن تكرار الشيء نفسه مراراً وتوقع حصول نتائج مختلفة هو جنون مطبق.