Site icon IMLebanon

ردود الفعل لا تغادر الاصطفافات “الحديدية” لكن نظام الأسد … بات في خبر كان

بمقدار ما بدا اللقاء بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه مستغربا، لكونه اتسم بالسرية، ما دام أتى من ضمن سعي الفريقين الى محاولة للبحث عن كسر الجمود السياسي بحيث كان من الخطأ على الارجح انكار حصوله بما أنه يندرج في هذه الخانة، بدت ردود الفعل المتعددة في المقابل متسرعة واستباقية لأي تطور، او نتيجة يمكن ان يؤدي اليها اللقاء في اطار الدفاع عن المصالح الشخصية او السياسية المباشرة لاصحابها، أكثر من اتصالها بالبعد العملاني السياسي. المفارقة في هذه الردود انها لم تشمل “حزب الله”، ولا تعتقد مصادر سياسية ان سعي فرنجيه للقاء الحريري هو رمية من دون رام، وان هذا الاخير يتحرك من فراغ على رغم الموقف المعلن للحزب عن عدم تخليه عن مرشحه العماد ميشال عون للرئاسة، اذ ان هناك تعبيرا أجنبيا ترجمته الحرفية هي رصد المياه قبل النزول اليها، وهو ما يعتقد مراقبون انه حصل في الايام الاخيرة. كشفت ردود الفعل جملة امور، بغض النظر عن فرصة وصول فرنجيه الى الرئاسة او عدمها، لعل ابرزها ان التغيرات في المنطقة وانعكاساتها لم تصل بعد الى الوضع السياسي الداخلي الذي تمت حمايته تباعا بالتمديد المتواصل لكل المواقع او المؤسسات التي تبقي الوضع على ما هو ولا تسمح بتغييره قبل بلورة انعكاسات ما يجري في سوريا على الاقل. فبالنسبة الى علاقة فرنجيه الوثيقة بالرئيس السوري، وهي علاقة يفاخر بها الرجل ولا ينفيها، فان الاسد او نظامه لم يعودا يتمتعان بأي تأثير ملموس، بمعنى ان خطر هذا النظام على لبنان كما في السابق ليس واقعياً. ففي لقاء حصل مع ممثل احدى البعثات الديبلوماسية في لبنان في ظروف لا تتصل بأي شكل باللقاءات الباريسية الاخيرة واحتمالاتها، أثار محدثوه الخشية من اي تسوية دولية تبقي في حدها الادنى على الاسد في السلطة، نظرا الى الانتقامات والمخاطر التي يشكلها، ليس على مواطنيه بل على جواره، اي لبنان، مثلما كان عام 2005 وما بعده. كانت الاجابة الديبلوماسية ان اي تسوية سورية داخلية ستكون مقيدة بالتزامات وضمانات دولية بما لن يسمح للاسد، في حال بقائه موقتا، النظر خارج حدود انقاذ التسوية السورية او حصصه فيها. وهذا ما يفيد عمليا ان خطر سوريا بالنسبة الى قوى 14 آذار لم يعد هو نفسه، لكن في ظل انعدام الثقة، يبقى الهاجس على حاله من تسوية تقر في لحظة ما وتسمح للنظام بالاستمرار.

الملاحظة الثانية ان هناك تمسكا مستمرا بالاصطفافات السياسية على رغم تعرضها لانهيارات جزئية بين فترة واخرى، او لوجود نخر فيها وعدم نضج الظروف لخربطة هذه الاصطفافات او تغييرها، خصوصا في ظل استمرار التوتر المذهبي على خلفية صراع اقليمي يزداد حدة. وتظهر ردود الفعل عدم وجود استعداد للتساهل ازاء خلط للاوراق يمكن ان يعيد النظر في التحالفات او يحل بديلا منها. هناك محور قوى 8 آذار الذي يقوده “حزب الله” وهناك محور قوى 14 آذار الذي يقوده “تيار المستقبل”، بامتدادات اقليمية لكل منهما. وقد فاقمت الصراعات المذهبية في المنطقة حدة هذه الاصطفافات على نحو يظهر ان اي ابراز لانتخاب رئيس توافقي بعيدا من مرشحي قوى 8 و14 من شأنه ان يبقي الاصطفافات على حالها من دون ابداء اي قابلية لتغييرها، على رغم الاهتراء الذي اعتراها. في المقابل، فإن توجه فرنجيه للقاء الحريري بعد توجه مماثل قام به العماد ميشال عون قبل سنة تقريبا، وهما مرشحان محسوبان على فريق اقليمي ومحلي معين، يظهر ان الاستقواء بمحور رغب في تهميش زعيم مكون طائفي اساسي لم يكن ناجحا، ولعله كان خطأ فادحا. ولذلك كان ينبغي لهذا اللقاء ان يلقى الترحيب بدلا من الشعور بالاستفزاز، ما دامت لقاءات تعقد مع ” حزب الله” ولقاءات عقدت بين “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر”. هذا الاصطفاف الحديدي يمنع حتى الآن التنازل لمحور محلي اقليمي، او ما قد يبدو انه كذلك بالنسبة الى البعض، أكان ذلك يتصل بمرشحي قوى 8 آذار ام بمرشحي 14 آذار من الاربعة الذين اتفقوا في ما بينهم في بكركي على انهم، هم دون سواهم، المرشحون الاقوياء الذين يمتلكون حيثية شعبية ويرفضون اي تنازل حتى الآن لاي مرشح من خارجهم، في حين ان كلاً منهم يرفض ان يعطي فرصة لغيره من ضمن هذه المجموعة نفسها التي أزالت في هذا الاتفاق اعتبارات الاصطفاف في محور معين لمصلحة تصنيف المسيحيين الاقوياء ضمن بيئتهم، علما انهم يلغون بعضهم بعضا وفقا للاصطفاف السياسي.

الملاحظة الثالثة ان ردود الفعل التي اثارها اللقاء عبّرت عن مخاوف ضمنية من امكان حصول اختراق لاعتبارات اقليمية او داخلية ما، او للاثنين معا. فبعد سنة ونصف سنة على الشغور الرئاسي، لا يبدو اللقاء تهورا بل لعله يعبر بالنسبة الى بعض المراقبين عن نضج ما انطلاقا من ان ما يواجهه البلد هو مشكلة كبيرة يتعين البحث عن حلول لها وازمات تواجه كل الافرقاء السياسيين الذين باتوا مأزومين من داخل احزابهم وطوائفهم، كما في القدرة على انقاذ البلد واقتصاده من الغرق. لذلك قد تبدو ردود الفعل الاولية مفهومة ومتوقعة قبل ان يبدأ التفكير “على البارد” وفقا لهؤلاء المراقبين، واستنادا الى حسابات الربح والخسارة والتفاوض على هذه الحسابات، بقطع النظر عما اذا ذلك يمكن ان يتضمن الاتفاق انتخاب فرنجيه او سواه.